إشكاليات التربية والتربية الوطنية - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

ما رأيك، ألا تحتاج مادّة التربية الوطنيّة في المناهج العربيّة إلى إعادة نظر جملةً وتفصيلاً؟ بعبارة أخرى تكشف المخبوء في ذهن القلم: هل تلاميذ العرب وطلاّبهم أحوج من أنظمة التعليم إلى التربية الوطنيّة؟
ثمّة من يشطح في الشطط فيتفوّه بالسؤال: ما هو الوطني في مادّة التربية الوطنية، حتى تداعى نصف الأوطان العربية وبات طلولاً لا تجد حتى من يقف عليها باكياً؟ لك أن تغبط سقط اللوى وتُوضح والمقراة.
هل التربية الوطنية هي تلقين الدارس معلومات على طريقة «ويكيبيديا»، وفي امتحانها يكرم أو يهان؟ مأساة المناهج هي عدم وضوح الفرق في أذهان واضعي موادّ المقرر بين التربية والتعليم. هذه العلّة البؤرويّة نرى آثارها في كل إخفاق في مراحل الدراسة.
من الضروري التوضيح. التعليم يشمل المعلومات القابلة للتخزين والاستظهار بها. تُعلّم التلميذ أن المتر مئة سنتيمتر، أن الفاعل مرفوع، أن الأرض كروية، وعند الاختبار تستعيدها الذاكرة من مستودع الحافظة، وإلاّ فالرسوب. التربية هي كل ما ليس معلومات. هي أهمّ من التعليم. إنها تتمثل في بناء أنظمة أداء الدماغ. هي الجوقة العاملة في خلفية تقديم المعلومات، تأهيل منظومة الخلايا العصبية وتشابكاتها (86 تريليون تشابك عصبي)، لشق الدروب نحو البحث العلمي، من خلال تحليل المعلومة واكتشاف القاعدة التي تحكمها. بدلاً من حفظ أن الفاعل مرفوع، تُطرح أمثلة عدّة، ويُستخرج الفاعل، ويكتشف التلاميذ أنه في كل الحالات مرفوع. التربية تزرع في الدارسين حرية الفكر والرأي والتعبير، واحترام الرأي الآخر، والمنهجية العلمية.
لن نختلف في أن سلّة ثمار التربية أهم من خردلة المتر كمئة سنتيمتر؟ التربية أمانتها تكوين العقل الباحث الناقد المفكّر الفاحص المحقق المستكشف المغربل ذي الخيال الوسيع، والذوق الرفيع، والإبداع البديع، أمّا التعليم فوظيفته، عندما يتألق في انتقاء المعلومات، والارتقاء بطريقة إعداد المكوّنات وتحضيرها وتقديمها، يتجلى التجاوب والتناغم مع النصف الحلو «التربية»، فتتزيّن سماء الأوطان بمصابيح النبوغ والكفاءات والمهارات في العلوم والتقانة، وكل سراج وهّاج من العبقريات والمواهب في الآداب والفنون. قولوا آمين.
قد يكون ثقيلاً على سمع الأساتذة في أنظمة التعليم العربية، لكن، ليس عيباً أن يُبين الإعلام عمّا يختلج في ضميره، فخذوها بسلام: لن يكون في الإمكان تطوير المناهج العربية، إذا ظل المشرفون عليها لا يعطون للتربية ما للتربية، وللتعليم ما للتعليم.
لزوم ما يلزم: النتيجة التمييزية: المعلومات ليست مشكلة العرب، المعضلة في تربية أداء الدماغ.
[email protected]

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق