حرب على المنظمات الدولية - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

محمود حسونة
المأساة التي نتابع فصولها منذ أكثر من عام ليست مجرد حرب تشنها إسرائيل بدعم غربي على قطاع غزة بل تمددت إلى الضفة ولبنان، وأصبحت إيران واليمن وسوريا والعراق أطرافاً فيها، ولكنها حرب على النظام العالمي. وليس مستبعداً أن تكون من نتائجها تغيير هذا النظام الذي أصبح عاجزاً عن إلزام بعض دوله باحترام قرارات الشرعية الدولية والحيلولة دون توسع جغرافية الصراعات، لتتحول قرارات الأمم المتحدة إلى مجرد حبر على ورق.
منذ بداية الحرب حذر حكماء المنطقة والعالم من مخاطر تمددها، وحذر أمين عام الأمم المتحدة مرات عدة من مخاطر توسعها وتحولها إلى حرب إقليمية تهدد الأمن والاستقرار العالميين، ولكن من بيده قرارها تجاهل كل النداءات وواصل القصف والغزو والقتل والنسف والتدمير حتى تعددت الجبهات وتوسع الصراع، ويلوح في الأفق ما هو أسوأ، فلا أحد يعرف عواقب الضربة الإسرائيلية على إيران، وهو الرد الذي تهدد إيران برد عليه أشد قسوة، وفي حالة حدوث الرد والرد على الرد سنشاهد حلقات من الفعل المدمر ورد الفعل الأكثر تدميراً لنصبح أمام حرب تجر أرجل قوى إقليمية ودولية إليها لتشتعل المنطقة بكاملها ويشتعل معها العالم.
الأمين العام للأمم المتحدة بُح صوته تصريحاً وتحذيراً من العواقب ومطالبة بالوقف الفوري لإطلاق النار وتوصيفاً لحال غزة الكارثي، وهو ما استفز إسرائيل لتعتبره «شخصاً غير مرغوب فيه»، ومنعه من دخولها، وقد سبق هذا الأمر العديد من التصريحات المعادية لغوتيريش والمطالبة بإقالته من منصبه.
عدم الرضا الإسرائيلي ليس عن شخص الأمين العام للأمم المتحدة فقط ولكن عن المنظمة وهيئاتها ومسؤوليها الذين عبروا بكل الأساليب عن وحشية هذه الحرب، وكأنه عقاب للمنظمة الدولية على قيامها ببعض الواجب عليها عندما تدعو للوقف الفوري لإطلاق النار، وعندما تدين كل مجزرة يروح ضحيتها أطفال ونساء وشيوخ، وعندما تطالب بإيصال المساعدات إلى الجوعى والمحاصرين في القطاع المنكوب.
وقد وصلت الحرب على المنظمة الدولية إلى حد وصفها ب«منظمة معادية لإسرائيل تؤوي الإرهاب وتشجعه»، بحسب ما نشر وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس على منصة (إكس) حينها.
الأمم المتحدة لم تلتزم الصمت، وحاولت تهدئة الأوضاع والحيلولة دون ازدياد عدد القتلى واتساع مساحة الخراب وتمدد الحرب، ولم تكتف بالكلام ولكنها اتخذت العديد من الإجراءات في محاولة لفرملة الإبادة، ولم يغير ذلك شيئاً في القناعات الإسرائيلية، بل زادتها تحدياً للمنظمة الأممية وزادته قصفاً وتوغلاً وفتحاً لجبهات جديدة.
فبعد ستة أشهر من بداية الحرب أدرجت الأمم المتحدة ولأول مرّة «الجيش الإسرائيلي» ضمن «قائمة العار» التي تضم الأطراف المتحاربة «التي ترتكب انتهاكات جسيمة ضد الأطفال» في النزاعات المسلحة، والشهر الماضي اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً يطالب بأن تنهي إسرائيل وجودها غير القانوني لفلسطين خلال 12 شهراً، بأغلبية 124 عضواً، وكان رد الفعل الإسرائيلي على ذلك فصل شمال غزة عن بقية القطاع والسعي لتهجير أبنائه وتهديدهم بالتجويع وكأنها تدفعهم بالقوة المسلحة لترك موطنهم والهروب من الموت.
ليست الأمم المتحدة فقط ولكن أيضاً المنظمات الدولية التابعة لها والمنظمات غير الحكومية نالت نصيبها من القصف الإسرائيلي بسبب مواقفها الرافضة للحرب وعواقبها، ومنها منظمة العفو الدولية ومنظمة الصحة العالمية ومحكمة العدل الدولية وهيومن رايتس ووتش وأطباء بلا حدود والمطبخ المركزي العالمي ومنظمة أوكسفام، ومحكمة الجنايات الدولية.
وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) التابعة للأمم المتحدة، كانت ولا تزال صاحبة النصيب الأكبر من الغضب الإسرائيلي باعتبارها تعمل داخل الأراضي الفلسطينية وشاهدة على كل ما يحدث هناك، لم تكتف إسرائيل بقصف وتدمير المنشآت التابعة لها ولا بمطاردة النازحين اللاجئين إليها ولكنها اتهمتها بالارهاب وصنفها الكنيست منظمة إرهابية وحظرت عملها ودعت حلفاءها لوقف تمويلها. حتى قوات «اليونيفيل» في جنوب لبنان لم تسلم من الإعتداءات الإسرائيلية.
مجلس الأمن قد يكون المنظمة الدولية الوحيدة التي نجت من القصف الإسرائيلي المباشر، والسبب الفيتو الأمريكي المشهر في وجه أي مشروع قرار يدين اسرائيل أو يجبرها على وقف ارتكاباتها في غزة.
عموماً لم تكن العلاقة بين إسرائيل والأمم المتحدة في أفضل أحوالها دائماً، وشهدت الكثير من التوترات عبر التاريخ، ابتداءً من اغتيال فولك برنادوت الوسيط الأممي في قضية فلسطين في سبتمبر 1948 على يد منظمة شتيرن الصيونية، ناهيك عن قرارات مجلس الأمن التي تجاهلتها إسرائيل ابتداء من القرار 194 لسنة 1948 والمطالب بضرورة عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى بيوتهم وممتلكاتهم كونها حقاً لهم، وأشهر هذه القرارات هو القرار 242 عقب حرب 1967 والمطالب بضرورة الانسحاب من الأراضي التى احتلتها.
المنظمات الدولية أصبحت منظمات غير مرغوب فيها إسرائيلياً، فهي مهمتها حفظ الأمن والسلم في العالم والدفاع عن حقوق الشعوب في تقرير مصيرها، وهو ما لا يتوافق مع الأهداف الاسرائيلية، وتستهدفها إسرائيل لرغبتها في عدم وجود أي مراقب أو شاهد دولي على ما ترتكبه في غزة.
[email protected]

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق