الذكاء الاصطناعي مؤرخاً - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

يحيى زكي

بعد أن احتل النقاش حول موضوع الذكاء الاصطناعي وعلاقته بالعمل الكثير من حقول النشاط البشري، مثل: الطب والخدمات المختلفة، وبعد أن دار العصف الذهني حول تأثيره في الإبداع مثل الكتابة والترجمة، بدأ البعض الآن يتخوف من تأثيره في التأريخ لمختلف الأحداث والوقائع.
يعود التخوف من استخدام الذكاء الاصطناعي في التأريخ إلى زاويتين أساسيتين، الأولى تتعلق بدرجة التزييف التي من الممكن أن تحدث في التأريخ وذلك نتيجة توفر معلومات ضخمة لا حدود لها، بالإمكان توظيفها في كتابة تاريخ غير منزه عن الهوى والأغراض، ويخدم رؤى معينة، ويعيد رسم صور ذهنية ربما تكون غير مرغوبة، أما الزاوية الثانية فترتبط بالقدرة غير المحدودة لتلك التكنولوجيا على التأثير في الجمهور، بحيث يمكن تغيير الذاكرة الوطنية للبعض والتأثير سلباً في هوية البعض الآخر.
والأسئلة التي يحلو لقارئ التاريخ أو المعني بمناهج وأدوات المؤرخين هنا توجيهها تتلخص في: هل كان التاريخ نزيهاً في يوم من الأيام؟ وهل كتبت الوقائع قبل ذلك بطرائق موضوعية؟ وهل دونت الأحداث كما هي من دون تدخل؟ وكل قارئ للتاريخ يعرف أن إجابة هذه الأسئلة سلبية، فمنذ أن فكّر الإنسان في تدوين ما يمر به في حياته اليومية البسيطة من خلال التصوير على جدران الكهوف كان هناك حدث يتم إعلاء شأنه وآخر يتم إسكاته أو التغاضي عنه.
كانت الموضوعية في التاريخ دائماً وأبداً حلماً عسير المنال، فإذا ذهبنا إلى الحوليات التاريخية القديمة فسنجدها بدورها تبرز حدثاً على حساب الآخر، أو تهتم برصد أفعال القادة والعظماء مع عدم الالتفات إلى المهمشين والعامة والبسطاء. وكان هناك من المؤرخين من يضخمون الذات الحضارية مقابل التقليل من قيمة الآخرين وتشويههم، ومن يستخدمون الوقائع أو أجزاء ومفاصل منها في إيصال رسائل معينة. وعندما تحّول التاريخ إلى علم تكررت الصورة نفسها، فهذا يستخدم مناهجه وأدواته ويمنح البطولة للوضع الاقتصادي في تفسير مسار الأحداث مع إهمال العوامل الأخرى، وذاك تهيمن عليه النزعة الفردية في رصد الوقائع، وحتى عندما يأخذ المؤرخ في اعتباره جميع العوامل المحيطة بالحدث، ويستند إلى وثائق متنوعة ومتعددة، ويعطي كل وجهة نظر حقها في التحليل فإنه لا يبرأ في النهاية من هوى شخصي ومناخ مجتمعي يحيط به، يؤثران في نتائجه النهائية التي يتوصل إليها، وهذا ما دفع بعض المفكرين في النهاية إلى القول بأنه «لا توجد وقائع بل تأويلات»، أي أن ما نقرأه في التاريخ ما هو في النهاية إلا وجهة نظر تحتمل الصواب والخطأ.
أما التخوف من التأثير في الجمهور، فنحن أمام نوعين من المتلقين، الأول متلق عابر وهذا، ومنذ القدم، لم يكن معنياً بالتاريخ ولم يكن مهتماً بالوصول إلى الحقيقة في حدها الأدنى، أما الثاني فهو قارئ التاريخ والمهتم به، وهذا يستطيع أن يستفيد من الكم الضخم من المعلومات التي أتاحتها التكنولوجيا الحديثة في المقارنة بين وجهات النظر المختلفة لكي يصل إلى قناعات يطمئن إليها عقله.

أخبار ذات صلة

0 تعليق