عبدالله السويجي
ليس أجمل من أن يكون الوطن يداً واحدة يعمل تحت شعار (البيت متوحّد)، وليس أكثر اطمئناناً من همسة قائد لشعبه وهو في خضم أزمة، يقول بكل ثقة (لا تشيلون هم)، وليس أحنّ من عبارة ترددها الأجيال وينادي بها القائد أبناءه (أنتم عيال زايد)، وليس أجمل من كل ذلك سوى أن يكون الجميع كالبنيان المرصوص، وكما قال رسولنا الكريم (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)، وهذا الحديث الشريف يترجمه الإماراتيون بحرص ومحبة، فكانت لهم دولتهم التي يفخرون ويتفاخرون بها. ولعل حديثنا عن دولة الإمارات العربية المتحدة وقيادتها الحكيمة تشبه باقة ورد أُخذت زهورها من بساتين زُرعت بالحب وتم الاعتناء بها بالإيمان، ونبتت وكبرت بالأحلام والإرادة.
ورغم أن استشهادنا بأقوال صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، ترتبط بأحداث سابقة، إلا أنها تصلح لعصرنا الحاضر، كما تصلح للمستقبل، وهذا كما أجتهد وأقول، جوهر الاجتماعات الاستثنائية لحكومة الإمارات التي عُقدت الأسبوع الماضي، بحضور القيادات من الصف الأول والشيوخ والوزراء والمفكرين ورجالات الدولة، حيث تنطلق من (البيت متوحد، ولا تشيلون هم، فأنتم في دار عيال زايد)، وقد يبوح ظاهر العبارات السابقة بالعاطفة الأبوية والأسرية، وهذا البوح لا يجعلها تبتعد من عمق الفكرة، فوجود العاطفة في هذا السياق كوجودها معياراً للشعر الصادق، الذي (إن لم يكن ذكرى وعاطفة، فهو تقطيع وأوزان)، وصادف بإيجابية، أن العبارة تحمل الذكرى والعاطفة، كما تحمل الإيقاع العملي الجاد، وبذلك تكون القصيدة قد أصبحت مكتملة الأركان، ولعمري، إن دولة الإمارات العربية المتحدة، قصيدة أبدعتها قيادة حكيمة وشعب مخلص، وتردد أبياتها الأجيال، وسوف ترددها في المستقبل.
ولعل وجود الحاضر هنا متبوعاً بالمستقبل يعكس السياسة الإماراتية في بناء المجتمع وإنجاز تنمية صارت نموذجاً وفخراً. وأجدني لا أرغب في الحديث، أو أتجنّب استخدام مفردات أو مصطلحات قد تكون جادة أو جامدة، مثل الاستراتيجيات، والأهداف والمستهدفات، والأجندات، والرؤية، لإحساسي بأنني أمام مشهد طبيعي صنعه الإنسان ويخلب الألباب، وهو ما يصح تسميته المشهد الإماراتي، وهو المشهد الأكثر نصاعة ضمن سيرة فنية متكاملة، المشهد الذي يرغب في أن تكون جزءاً منه، ملايين البشر، إن لم تكن مئات الملايين، وذلك لتفرّده في أمنه ورخائه، وتميّزه في ثقافته الإنسانية، ما أنتج مجتمعاً سعيداً حقّق كل معايير السعادة ومتطلباتها.
والاجتماعات الاستثنائية الحكومية التي يترأسها سنوياً صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، تراجع ما تم من إنجازات، وتضع خططاً لإنجازات أخرى، تبرز فيها الهوية الوطنية، وذكائها، وبيئتها، ومجتمعها، وكما أن العصف الذهني الذي قامت به الفرق الوزارية والمجموعات الحكومية، هدفت إلى تعزيز السعادة، وهذه المفردة، بما تحمل من معايير وشروط ومتطلبات ومؤشرات، تستحق العصف الذهني المتواصل، للمحافظة عليها، وتعزيزها، وحمل حيثياتها نحو المستقبل، فتصيب الأجيال الصاعدة ما يصيب الجيل الحالي، من سعادة، أسس لها روّاد العمل الوطني، المؤسسون والمشيّدون والساهرون، الذين رسموا مشهداً أشبه بالحلم، فإذا بنا نحن اليوم، نعيش في المشهد الإماراتي.
ليس تقليلاً مما حدث خلال الأسبوع الماضي بل ثناء عليه، نقول إن العصف الذهني الحكومي مسألة طبيعية ومنطقية يقوم بها المخلصون المخططون لغد أجمل وأفضل وأسهل، هؤلاء القادة هم الذين سيقودون الذكاء الاصطناعي، ومن البديهي أن يقود الذكاء الطبيعي الذكاء الاصطناعي، والنتيجة هي الدخول إلى عالم نحن على أبوابه الآن، لكن توظيفنا لأدواته سيجعلنا سبّاقين ورياديين في تحسين الإنجاز، ولعل الذكاء الاصطناعي يمنح بعداً إضافياً مشاكساً لنظرية ابن خلدون، بحيث يصبح الوصول إلى القمة خطوة للوصول إلى قمة أخرى، وليس الانحدار، هذا كما أعتقد فلسفة الذكاء الاصطناعي في التنمية وبناء الحضارات.
هذا التوالد والتجدّد والابتكار المستدام، يتطلب عصف أفكار مستداماً، لا يعترف بحدود للقمة أو نقطة للمجد أو نهاية للكمال، فهناك الأكثر جودة وكمالاً، وهناك الأكثر سحراً وجمالاً، وهذه (الأكثر) هي هدف لن يكون جديداً في المشهد الإماراتي، إنما مبتكر، ولست في شك من أن ما تم التوصل إليه من مشاريع وخطط وبرامج ورؤى نتيجة العصف الذهني، سيُبنى عليه المشهد الأكثر جمالاً، لسبب بسيط يكمن في تركيزه على الهوية الوطنية في عالم متغيّر، وهذه الهوية ترتبط ارتباطاً عضوياً بالأسرة، والأخيرة على صلة وثيقة بالتعليم.
والتعليم أساس السياسة والاقتصاد والصناعة وكافة العلوم الإنسانية والتطبيقية، والتعليم الذي يتم من مؤسسة لا تفصل العلم عن التربية، والتربية عن الأخلاق، فكل تنمية إن لم تستند إلى منظومة قيم إيجابية وتقاليد وعادات أصيلة، تكون تنمية عرضة للفشل، وفي دول كثيرة يضعون التربية قبل التعليم، والمنهج التأسيسي يرتبط بتهذيب السلوك الإنساني قبل ترسيخ معلومات علمية ورياضية وفيزيائية في أذهان التلاميذ، يفعلون ذلك كي يصبح المشهد متناغماً كسيمفونية رائعة، يشارك في عزفها الصغار والكبار، والرجال والنساء، وقد تشارك الطبيعة في العزف ليكتمل المشهد، وهذا ليس فانتازيا ولا خيالاً، ومشهدنا الإماراتي يقترب من هذا الجمال.
[email protected]
0 تعليق