البابا وحرب الإبادة - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

عندما يدعو رأس الكنيسة الكاثوليكية البابا فرنسيس الذي يمثل 1.4 مليار مسيحي حول العالم إلى تحقيق دولي في الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة ولبنان، فهو لا يمثل بهذه الدعوة مسيحيين في العالم فقط، بل هو يمثل الإنسانية جمعاء باعتباره يتماهى مع رسالة السيد المسيح في الإنسانية والمحبة والسلام ورفض الظلم والعدوان.
وبموقفه هذا يعزز القيم الإنسانية والدينية التي تعطي الإنسان قيمته في الحياة، كما أنه يترجم «وثيقة الأخوة الإنسانية» التي أبصرت النور في أبوظبي في الرابع من فبراير (شباط) 2019، عندما وقعها مع الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، وهي واحدة من أهم الوثائق في مسيرة البشرية من حيث السعي للعيش المشترك بأمان وسلام.
للمرة الأولى يتطرق البابا إلى «الإبادة الجماعية» التي ترتكبها إسرائيل، وذلك في كتاب بعنوان «الأمل لا يخيب أبداً»، نشرت صحيفة «لا ستامبا» الإيطالية مقتطفات منه، حيث قال البابا «ما يحدث في غزة يحمل سمات إبادة جماعية. يجب درس ذلك بعناية لتحديد ما إذا كان الوضع يتوافق مع التعريف التقني الذي صاغه الحقوقيون والمنظمات الدولية».
هذه الدعوة تلتقي مع الدعوة التي قدمتها جنوب إفريقيا في نهاية ديسمبر (كانون الأول) 2023، وانضمت إليها العديد من الدول أمام محكمة العدل الدولية تتهم فيها إسرائيل «بانتهاك اتفاقية الأمم المتحدة لمنع الإبادة الجماعية» المبرمة عام 1948 في هجومها على غزة، ما أدى إلى تهجير نحو مليون إنسان وسقوط أكثر من 50 ألف ضحية ونحو 100 ألف جريح معظمهم من النساء والأطفال، وتدمير مدن ومخيمات بأكملها، إضافة إلى المدارس والمستشفيات، وممارسة حرب التجويع لإجبار السكان على ترك أراضيهم ومنازلهم.
إن تهمة الإبادة الجماعية مكتملة المواصفات والأركان والخصائص، وهو ما أكدته المقررة الخاصة المعنية بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، رانشيسكا ألبانيز وغيرها من المسؤولين الأمميين، كما أن المحكمة الجنائية الدولية فتحت تحقيقاً مستمراً، كما قامت بتشغيل رابط لتقديم تقارير عن ارتكاب جرائم حرب، وجرائم إبادة جماعية، وجرائم ضد الإنسانية، وتعتبر جميعها انتهاكاً للقانون الدولي الإنساني.
إن نظام روما الأساسي يعرّف الإبادة الجماعية بأنها «ارتكاب أفعال معينة على نطاق واسع، يتم تنفيذها بقصد القضاء على مجموعة، كلياً أو جزئياً، بناء على هوية هذه المجموعة القومية أو الإثنية أو العنصرية أو الدينية»، وهذه الأعمال تشمل القتل أو التسبب في إلحاق أضرار جسدية أو عقلية جسيمة، أو التسبب في أوضاع معيشية من شأنها أن تؤدي إلى الهلاك الفعلي كلياً أو جزئياً.. وهو ما تمارسه إسرائيل يومياً في قطاع غزة على شكل عقاب جماعي.
لقد سبق للعالم أن شهد عمليات إبادة جماعية ضد اليهود خلال الحرب العالمية الثانية على يد النازية، وفي البوسنة بين العامين 1992 و1995 ضد المسلمين على يد المتشددين الصرب، وفي رواندا عام 1994 ضد قبيلة التوتسي، وجرت محاكمات طاولت المرتكبين وحكم على بعضهم بالسجن المؤبد، ومات بعضهم في السجن.
كان رد الفعل الإسرائيلي على دعوة البابا، كما كل ردودها على الدعوات أو الانتقادات المماثلة، بأن لها الحق في ارتكاب المجازر وجرائم الحرب «لأنها تدافع عن نفسها»، حسب ادعاء السفير الإسرائيلي لدى الفاتيكان يارون ساينمان الذي قال «أي محاولة لتسميتها بأي اسم آخر تمثل تمييزاً ضد الدولة اليهودية».
إن جرائم الحرب لا تسقط بالتقادم، ومرتكبوها لا يستفيدون من الحصانة، مهما تكن مناصبهم سواء كانوا حكاماً أو أفراداً عاديين غير مسؤولين، وفقاً للمادتين الرابعة والثالثة من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق