د. محمد السعيد إدريس
قبل أن تدخل الحملة الانتخابية الرئاسية الأمريكية أسابيعها الأخيرة الحاسمة كانت قد ظهرت مؤشرات تؤكد للمراقبين أن ترامب يتجه إلى الفوز بالسباق الانتخابي بعد أن استطاع أن يمدد شبكته الانتخابية الداعمة إلى ذلك القطاع المهم من الناخبين المنتمين إلى الفقراء وأبناء الطبقة دون الوسطى، وهم أولئك الديمقراطيون الذين استطاع رونالد ريغان الرئيس الأمريكي الأسبق أن يستقطعهم من حصة الحزب الديمقراطي في ثمانينيات العقد الماضي، لذلك ظلت هذه الشريحة التي أخذت، منذ ذلك الحين اسم «ديمقراطيو ريغان» مجال تنافس بين المرشحين الرئاسيين من الحزبين الديمقراطي والجمهوري.
وإذا كان كل من بيل كلينتون وباراك أوباما قد استطاعا ضمان تأييد هذه الشريحة لهما وكُتب لهما الفوز بالانتخابات فإن الرئيس دونالد ترامب استطاع أن يسترد هذه الشريحة المهمة وأن يجعلها أحد أعمدة قاعدته الانتخابية إلى جانب كل من تيار «المسيحية الأصولية» (الإنجيليين) وتيار اليمين الاقتصادية (النقدي)، وبالطبع إلى جانب مناصرته في تيار «لنجعل أمريكا عظيمة مجدداً» الذي يعرف ب«تيار ماغا»، ومن ثم أخذ التفاؤل يحكم أداء حملته الانتخابية، لكن ترامب استطاع أن يستحوذ على «عمود رابع» إلى جانب هذه الأعمدة الثلاث: ديمقراطيو ريغان والمسيحية الأصولية واليمين الاقتصادي، هذا «العمود» يتركز في شخص الملياردير الأمريكي إيلون ماسك، أو بالأحرى «إمبراطورية إيلون ماسك» صاحب منصة «إكس» والتي تقدر بنحو 270 مليار دولار.
فقد عمل إيلون ماسك بعد إعلانه دعم حملة دونالد ترامب كمرشح رئاسي على استثمار موارده المالية، وسخر منصته الإعلامية «إكس» لمساعدة ترامب على الفوز، فقد أعاد ماسك دونالد ترامب إلى منصة «إكس» («تويتر» سابقاً) التي كانت قد حظرت مشاركات ترامب في رئاسته الأولى، وعقد اجتماعات دورية معه، وهناك معلومات تقول إن ترامب اختار نائبه جي. دي. فانس بضغط من ماسك وملياردير آخر هو بيترئيل، وأن فانس لم يكن ليتم اختياره لولا هذه الضغوط، فهو (إي فانس) سبق أن أطلق على ترامب قبل بضع سنوات لقب «هتلر الأمريكي».
المعلومات التي يجري تداولها تقول: إن ماسك استثمر عشرات الملايين من الدولارات في حملة ترامب ليحقق بذلك «أكبر صفقة في حياته» فهو الآن مرشح لتولي أحد أهم المناصب الكبرى في إدارة ترامب الجديدة وهي وزارة جديدة مستحدثة تحمل اسم «وزارة الكفاءة الحكومية» هدفها مراقبة المؤسسات الحكومية وقياس كفاءتها ونجاعتها، وبالتحديد ما يعرف ب«الدولة العميقة» في الولايات المتحدة التي تضم المؤسسات المفصلية الأربع: البيت الأبيض، ومكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI)، ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA)، ووزارة الخارجية، أي أن ماسك سيكون مكلفاً بأداء أحد أهم الأهداف والمرتكزات المحورية لما يعرف الآن ب«الترامبية السياسية» وهو هدف «تفكيك الدولة العميقة» التي يعتقد ترامب أنها عملت دائماً من أجل إسقاطه في الانتخابات التي خاضها.
هذا يعني أن إيلون ماسك سيكون، بحكم التكليف الذي سيعمل به في هذه الوزارة الجديدة، فوق هذه المؤسسات السياسية والأمنية الكبرى، الأمر دعا إلى ترويج إعلاميين أن ماسك سيكون بمثابة (رئيس الظل) أو «النائب الثاني للرئيس» إلى جانب دونالد ترامب.
هذه الفكرة لم تأتِ من فراغ، إذ أنها تكونت بفعل تراكم أدوار غير معتادة أخذ يقوم بها ماسك حتى قبل تأكيد ترشيحه رسمياً لتولي وزارته الجديدة من الكونغرس وقبل أن يبدأ مهامه الرسمية المنوطة به، فقد لوحظ أن ماسك أخذ يجلس إلى جانب ترامب في كل اجتماع يعقده، ولم يحدد أي موعد لترامب دون علم ماسك، وشارك في المحادثات الأولية التي أجراها ترامب مع زعماء أجانب ومن أهمها المكالمة الشهيرة مع الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، وحسب معلومات موقع «أكسيوس» الذي ذكر أن ماسك أشار، خلال هذه المحادثة، إلى أنه «سيواصل منح أوكرانيا إمكانية الوصول إلى نظام اتصالات (ستار لينك)»، وأن مشاركة ماسك في هذه المحادثة الهاتفية تشير، بحسب تقديرات «إكسيوس» إلى «مدى أهمية الدور الذي سيلعبه ماسك في إدارة ترامب المستقبلية»، من خلال قدرة «نظام اتصالات ستارلينك» الذي يمتلكه ماسك، حيث يمكنه قطع الاتصالات تماماً عن الجيش الأوكراني، وكان ماسك قد اعتبر، عبر منصة «إكس» التي يمتلكها أن «فلاديمير زيلينسكي يمتلك حساً فكاهياً رائعاً».
ماسك الذي أجرى محادثات غير مسبوقة مع رئيس الوفد الإيراني في الأمم المتحدة، رغم نفي إيران لهذه المحادثات، يكشف يوماً بعد يوم أن استثماره مع ترامب كان «أهم صفقة في حياته»، لكن إلى أي مدى سيتحمل غرور ترامب مزيداً من ممارسات ماسك، وإلى أي مدى ستقبل مؤسسات «الدولة العميقة» أن يكون ماسك «رقيباً عليها». تلك هي المعضلة التي ستواجه طموحات ماسك.
0 تعليق