علي الأحمد
كتب صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة حفظه الله، قبل أيام عن تاريخ الجزيرة الحمراء، وكيف خدع زعاب الإنجليز، قبل أكثر من 200 عام وفي ذروة مجد الإمبراطورية البريطانية.
جاء الإنجليز إلى رأس الخيمة في عهد الملك جورج الثالث الذي حكم الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس لفترة امتدت لستين عاماً، من 1760 إلى 1820.
بعد شهرين من المحاولة الفاشلة لقوات البحرية الإمبراطورية للقضاء على زعاب، مات الملك جورج الثالث واعتلت الملكة فيكتوريا عرش الإمبراطورية بعده.
الحرب خدعة، ولك أن تتخيل جاهزية الجنود الإنجليز للحرب وأسطولهم البحري ومدافعهم وكل عتادهم العسكري، حشدوا هذه القوة لهدم بيوت من الطين وأخرى من سعف النخيل، ثم الفتك بأهلها المسالمين.
لعل أغلبية أهل جزيرة زعاب لم يتخيلوا كيف استطاعت قريتهم أن تشكل خطراً على مصالح الإمبراطورية البريطانية؟ يبدو الأمر غريباً! لكنهم يعلمون بفطنتهم، كما ذكر صاحب السمو الشيخ سلطان، أن الإنجليز لم يأتوا بأساطيلهم وقواتهم للتفاوض، بل لإبادتهم، فكيف تجرؤ هذه الشعوب الصغيرة أن تنادي بحقوقها وتتحدى الإمبراطورية العظمى.
أهل رأس الخيمة يشيرون للجزيرة الحمراء غالباً فيقولون «الجزيرة» فقط وأحياناً جزيرة زعاب، والشيء بالشيء يذكر فمكان الميلاد في جوازات سفرنا، نحن من ولدنا هناك، يكتب فيها جزيرة زعاب «Zaab Island».
حدود جزيرتنا وعالمنا عندما كنا صغاراً من «القرمة» إلى «أبو حماد»، هناك حيث ينتهي الرمل ويبدأ البحر، وعلى مدخل الجزيرة مركز شرطة مهجور يسمى «المركز الجديم»، وبعد أقل من كيلو متر تصل إلى جسر صغير يعبر بك إلى الجزيرة الحمراء.
كان هناك بحران، البحر العود والبحر الصغير، الصغير كان خوراً ضحل المياه تكثر فيه الشعب المرجانية وتعيش في البحر الصغير أنواع أخرى من الأصداف الحادة الملمس تسمى محلياً بو صويلح، لم تكن تؤكل من قبلنا، ولكن الأجانب كانوا يأتون ويجمعون بو صويلح ما استطاعوا ليأكلوا ما بداخله، فهو أحد أنواع المحار، في حين ننظر إليهم باستغراب.
بين البحرين منطقة تسمى الظَهَر، ذات رمال ناعمة، ملتهبة نهاراً وممتعة للمشي ليلاً، وفي الظَهَر كانت تعلق أصناف عديدة من الأسماك للتجفيف في الشمس، بالإضافة إلى زعانف أسماك القرش بأنواعها.
ذات مرة ونحن نلعب على الظهر جاء نحونا رجل أوروبي، ونظر إلى العشرات من «سيف سياف» المجفف وهو أحد أنواع سمك القرش، الجزء الأمامي الذي يشبه المنشار، ثم حاول التواصل معنا وصار يرطن ونحن الأطفال مبهتون.
بعد ثوان أدرك الزائر الأشقر أنه لا مجال للتواصل معنا لغوياً، ربما كان يريد معرفة ثمن «سيف سياف» ليشتريه، فذهب الزائر وأحضر لنا «غرشتين ميراندا» من صندوق الثلج الصغير الذي كان بحوزته، وتعلقت عيوننا نحن الأطفال الأربعة بالغراش الباردة، بلونها البرتقالي المتوهج تحت أشعة الشمس، وتمت الصفقة، أخذ الرجل سيف سياف وتقاسمنا الميراندا فيما بيننا.
الجزيرة كانت تتكون من ثلاثة فرجان، فريج المناخ والميان وفريج الغربي، وكان فيها مدرستان، مدرسة خالد بن الوليد ومدرسة زينب للبنات، وهاتان المدرستان بالإضافة إلى عيادة طبية وأربع فلل صغيرة عاش فيها المدرسون وعائلاتهم، بنيت على نفقة دولة الكويت في عهد الأمير الشيخ عبد الله السالم الصباح رحمه الله.
أكبر المتاجر، الدكاكين، في الجزيرة آنذاك كانت تتنوع في بضائعها، فإن أردت شراء عيش وطحين وسكر وقهوة وكاز فستذهب إلى دكان عبد الكريم، وإذا أردت أن تأكل حلوى فدكان جرمن سيلبي حاجتك، ودكان محمد بن راشد للحاجيات الحرفية والدراجات، أما دكان حمدان فتجد فيه المعلبات والبيبسي والحلويات المغلفة.
لم يكن هناك صيدلية أو مخبز حديث أو مصور أو مغسلة أو فندق أو سينما، وكان نادي النسر هو ملاذ شباب الجزيرة، اندمج النسر مع نادي الإمارات فترة ثم انفصل ويسمى الآن نادي الجزيرة الحمراء، وأتذكر مشاركة جميع أهالي الجزيرة وحضورهم خلال مبارياتنا في مختلف الألعاب، يقفون مشجعين، فليس هناك مدرجات حول ملعب كرة القدم الترابي وملاعب كرة الطائرة والسلة في الهواء الطلق.
تبدو المسافة شاسعة، فاليوم يتحدث الخمسينيون ومن جاوزهم لأبنائهم عن الماضي وهم يمشون في متحف اللوفر في السعديات، أو حين يتسوقون في دبي مول أو يشاركون في ندوة عن الذكاء الاصطناعي في جامعة الشارقة أو يتناولون العشاء أعلى جبل جيس في رأس الخيمة.. في هذه الأماكن علينا أن نذكّر أبناءنا كيف كانت حياة آبائهم وأجدادهم ليعرفوا، حق المعرفة، قيمة ما بين أيديهم اليوم..
0 تعليق