مليحة، اسم على مُسَمّى. تاريخ حضارات، وملتقى ثقافات. جغرافيا مفتوحة على الشمس، والماء القديم. قصيدة على بحر الرمل، وعرس أخضر للسنابل. مكانُ إلهام، ومكانة موقع. رحابة في الأفق تحت غيم رفيق، واتساعات من الشجر والحجر هي علامات التاريخ.
مليحة اليوم مهرجان فرح وشعر وفنون، يستلهم إبداع الإنسان وعبقرية خياله الذي يعود إلى القرن الثالث قبل الميلاد. هنا في هذا المكان، كتاب مفتوح سطَّر فيه النحاتون والمزارعون والعلماء أبجدياتهم الأولى التي كشفت عن ثقافة لا تموت، حتى لو كانت شواهدها تحت التراب منذ آلاف الأعوام.
يشرح صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، من أين أتت تسمية مليحة. يعود سموّه إلى تاريخ المنطقة، والحروب التي شهدتها بين الفرس والرومان، ويعود بالتاريخ إلى التجارة التي كانت تأتي من الهند والسند والصين. ويقول في الجزء السادس من أحاديث سموّه، صفحة 221 «أما الرومان فقد اتخذوا طريقاً آخر يأتي من «فَيْلَكَة» إلى البحرين رأساً إلى مليحة، والبضاعة تأتي إليها كذلك من عُمان (مسقط أو صحار)، والقادم من صحار يأتي من وادي القور، وعند انتهاء الجبال على هذا الطريق تأتي أرض واسعة تسمّى «سراج» وباللغة اليونانية (ملوخة) تكتب حاء، ولكنها تنطق خاء.. من هنا أتت تسمية مليحة».
في العام 2016 كشف فريق بلجيكي من متاحف الفن والتاريخ في بروكسل، بالاشتراك مع فريق إدارة الآثار في دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة، عن أثر تاريخي، عبارة عن نقش ينتصب فوق قبر كبير يتكون من حجرة دفن تحت سطح الأرض بقياس 5.20 متر مربع، ويرجع النقش الجنائزي إلى القرن الثالث قبل الميلاد. راجع (أحاديث صاحب السمو حاكم الشارقة، صفحة 17، الجزء الخامس).
يكشف سموّه أيضاً عن أثر تاريخي آخر، يتصل هذه المرة بالطبيعة أو الجغرافية المائية لمليحة وعلاقتها بحركة الأرض. يقول سموّه: «لو نذهب الآن إلى مليحة، سنجد هناك أكبر محارة يصل عرضها تقريباً إلى متر، حيث إن منطقة مليحة كانت غاطسة تحت البحر، ووجود محارة بهذا الحجم دليل على أنها من المحيطات، وليست من الشواطئ، وذلك دليل على حركة هذه الأرض». (صفحة 172، الجزء الثالث من أحاديث صاحب السمو حاكم الشارقة).
التاريخ لا يُخبّأ تحت الرمال، ولا يمكث في الكهوف، ولا يُحنّط في المتاحف. إنه علم وشواهد وبرهان.
التاريخ اليوم يتمثّل في مليحة بالإبداع والرفعة والرقي الإنساني والثقافي في مهرجان الحياة، وفكر الحياة في فضاء مليحة التي تأخذ اسمها من محيطها الجغرافي والبيئي والمناخي والزراعي، أي أن للمكان لغته الخاصة به، لغته الجمالية والتاريخية غير المستعارة من أي طبيعة أخرى.
يحيل اسم مليحة إلى الجمال. اسم غنائي شعري جاذب للكتابة والرسم والنحت والإصغاء لروح الكائنات الحية في هذا المدى المنفتح بكل كرم التاريخ للإبداع، وتحويل الأثر القديم إلى لغة أدبية ثقافية جديدة.
[email protected]
0 تعليق