بين الأنا الرقمية والواقعية (1) - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في عصر الإنترنت والفضاء الرقمي، أصبح من الطبيعي أن نجد أنفسنا نتنقل بين هويات متعددة على منصات مختلفة، قد نكون شخصاً جاداً محترفاً على موقع «لينكد إن»، وهاوياً مبدعاً على «إنستغرام»، وصديقاً مرحاً على «فيسبوك»، وعاشقاً للألعاب الإلكترونية على منصات مثل «إكس». هذا التعدد في الأدوار والهويات يعد سمة مميزة للعصر الرقمي الذي نعيش فيه، ما يطرح تساؤلاً مهماً: هل نحن نتجه نحو عصر «الأنا المتعددة»؟ فالفضاء الرقمي قد أتاح لنا إمكانية بناء هويات متعددة تختلف باختلاف السياقات.
بينما كانت الهويات التقليدية محددة بثوابت مثل العائلة أو العمل أو المجتمع المحلي، نجد أن الفضاء الرقمي قد ألغى تلك الحدود، وأتاح لنا مساحة واسعة للتعبير عن جوانب متعددة من أنفسنا، يتيح الإنترنت للأفراد تشكيل هويات تتناسب مع كل منصة على حدة، بل يمكن أن تتغير تلك الهويات، بشكل مستمر، بحسب الظروف أو المحتوى المقدم.
لكن هل يعني هذا أننا نعيش في زمن «الأنا المتعددة»؟ وهل يؤثر في هويتنا الحقيقية؟ أحد الجوانب المهمة التي نشهدها في الفضاء الرقمي هو التلاعب بالهوية واختيار ما نريد أن نكون عليه. قد نختار أن نعرض جوانب معينة من حياتنا، بينما نخفي جوانب أخرى، ما يعطينا شعوراً بالتحكم والتمكن في كيفية تقديم أنفسنا للآخرين. في مواقع التواصل الاجتماعي مثل «إنستغرام»، قد يظهر الفرد بمظهر الرفاهية والنجاح بينما هو في الحقيقة يواجه تحديات الحياة اليومية. هذا التباين بين «الأنا الرقمية» و«الأنا الواقعية» قد يؤدي إلى فقدان الاتصال مع الهوية الذاتية الحقيقية، ويطرح تساؤلات حول تأثير هذا في النفسية والثقة بالنفس.
في المقابل، قد يكون تعدد الهويات في الفضاء الرقمي وسيلة لتعزيز التنوع الشخصي، فالفرد قد يكتشف جوانب جديدة من نفسه لم يكن يعرفها من قبل، أو يتفاعل مع مجتمعات تتيح له تطوير مهاراته الاجتماعية والتفاعلية. يمكن للإنسان في هذه البيئة الرقمية أن يصبح أكثر قدرة على التجربة والتعلم.
ومع ذلك، يظل التحدي الأكبر هو كيفية الحفاظ على التوازن بين هذه الهويات المختلفة. في عالم يعج بالخيارات الرقمية، قد نضيع في متاهات هذه الشخصيات المتعددة ونسعى جاهدين لتلبية توقعات الآخرين، ما يعرضنا لخطر فقدان الاتصال مع جوهرنا الحقيقي.
الهويات الرقمية قد تكون مرآة لتعدد الأبعاد التي نعيشها، ولكنها في ذات الوقت قد تؤدي إلى قلق هوية يصعب التغلب عليه.
[email protected]
www.shaimaalmarzooqi.com

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق