كما هو واضح في عصرنا الحالي، وماثل في كثير من تفاصيل حياتنا اليومية، فإن هناك هوية رقمية لكل واحد منا، وكأنها باتت جزءاً لا يتجزأ من هويتنا. هذه الهوية ليست مجرد انعكاس للواقع الرقمي الذي نعيشه، بل كأنها إعادة بناء وصياغة لهذا الواقع وفقاً للبيئة الرقمية ومتطلباتها.
ومن الملاحظ أن الأفراد يتمتعون بحرية أكبر في تشكيل «أنا» رقمية تعكس تطلعاتهم، أو ربما نسخة مثالية عن أنفسهم، ولعل هذه الحالة فتحت المجال للتعبير الإبداعي والانفتاح على العالم.
لكن يجب التنبه لحالة من التباين الواضح، بين «الأنا الرقمية» و«الأنا الواقعية» وهو تباين ليس بسيطاً أو يمكن تجاوزه، لأنه من الممكن أن يسبّب أحياناً صراعاً داخلياً وشعوراً بعدم التوازن.
لكن موضوع الهوية الرقمية ليس حصراً على مستوى الأفراد، بل قد يتجاوزه إلى العلامات التجارية، الشركات، ونحوها.
وكأن الهويات الرقمية باتت وسيلة فعالة للتواصل، التسويق، والتأثير في الناس. والتحدي الأكبر والحقيقي يكمن في تحقيق التوازن بين هذه الهويات المختلفة.
يظهر علم النفس أن وجود هوية رقمية مختلفة قد يكون أداة لتطوير الذات، ولكن قد يؤدي أيضاً إلى إرباك داخلي. دراسة نشرت في مجلة: Journal of Applied Social Psychology عام 2021، بعنوان: «Digital Identity and Self- Perception: A Dual- Edged Sword» أشارت إلى أن الأفراد الذين يعانون من فجوة كبيرة بين هويتهم الرقمية والواقعية يميلون إلى الشعور بضغط نفسي أكبر، مما يؤثر في رضاهم عن حياتهم بشكل عام. من ناحية أخرى، أظهرت الدراسة أن الأفراد الذين يدمجون جوانب من هويتهم الواقعية في هويتهم الرقمية يشعرون بارتياح نفسي أعلى.
من المفيد والإيجابية اعتبار الهوية الرقمية فرصة لفهم الذات بشكل أعمق واستكشاف جوانب جديدة منها. يمكن أن تكون أداة للتطوير الشخصي والاجتماعي إذا أديرت بوعي وفهم.
لا شك أن هناك تحدياً واضحاً يتعلق بالقدرة على دمج الهويات المختلفة في كيان واحد متوازن يعكس الأبعاد المتنوعة لشخصيتنا. وهو ما يعني بناء جسور بين الأنا الواقعية والرقمية للحفاظ على المصداقية والنزاهة مع الذات.
والتباين بين الأنا الرقمية والواقعية ليس هو المشكلة بحد ذاته، بقدر ما هو فرصة لفهم الذات وتحقيق التطور الشخصي والاجتماعي. وهذا يتطلب وعياً عميقاً بكيفية تأثير هذه الهويات في حياتنا النفسية والاجتماعية.
[email protected]
www.shaimaalmarzooqi.com
0 تعليق