هل تابعتَ الوطيس الحامي في مفاوضات وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل؟ أرأيتَ كيف كان العالم العربي يُغضى من مهابته، ولا يُكلَّم إلاّ حين يبتسمُ؟ فلم يكن في حاجة إلى أن ينبس ببنت شفة، أو يتجشّم نقرة على فأرة، أو يُرقص أنملةً على لوحة مفاتيح. كانت الروبوتات الأمريكية والفرنسية قد غُذّيت بالخوارزميات اللازمة، فهي آليّاً تفعل ما تؤمر. كلّ مكّوك في جيئة وذهاب ليل نهار، بينما المنظمة العربية الكبرى تنام ملء جفونها عن شوارد القانون الدولي، ويسهر الغرب جرّاها ويختصمُ.
حكمة زاخرة بما لم تزخر به شلاّلات نياغرا، فتأمّل الرشاد: إذا نجح الأمريكان والفرنسيون، فالإنجاز له ألف أب، من بينهم العرب، لكون القضية منتسبةً إليهم، وما المتفاوضون إلاّ متبرّعون بثمن يعرفونه ولا نعرفه. فإن خسروا، فالخسار عليهم، فالعرب لم يكونوا طرفاً في الأمر، حتى يكونوا من الفاشلين. الحكمة الأخرى أبعد مدى، ألا وهي أن الشرق الأوسط، بتعبير العراقيين «شليلة وراسها ضايع»، كبّة خيوط متشابكة لا رأس لها. أليس من العقل ألاّ تكون للعرب يد في أمور خواتيمها خافية عنهم؟
من الصعب استيعاب المنطق العقلاني، وإلاّ فمن يعلم حقائق إعادة تركيب لعبة «بازل» الشرق الأوسط؟ فخامة ترامب يقول كلاماً أعقد ترميزاً وتلغيزاً من شطحات أبي يزيد البسطامي والنفّري وابن عربي، مجتمعين. قال إن الدولة التي عناها: «تلوح صغيرة على الخريطة» وسيتولّى تكبيرها. ترامب صاحب نوادر وطرائف، والفكرة لا تخلو من الكاريكاتور، لأنه يعلم أن اللحاف الشرق أوسطي طويل مديد، فعليه أن يطيل الرجلين على قدر شهيّة التوسّع في اللحاف. مساحة العالم العربي تعادل 636 مرّة تلك المساحة المعنيّة. مع هذا هي التي ولّت نفسها أمر تقسيم كعكة الشرق الأوسط.
أمّا الطريف في القصة، فيدعو إلى الحمد الكثير والشكر الوفير. تخيّل لو لم يتبّرع الأمريكان والفرنسيون بتحمّل مشقة المفاوضات البعكوكية، والرحلات المكّوكية، وكان العالم العربي كعادته كأنّ على رؤوس شعوبه الطير، فكيف كانت الأمور ستسير وإلى أين المصير؟ الله رؤوف بالعباد. لكن، العقول الكبيرة في المنظمة العربية الكبيرة، لا تقع في أيّ كبيرة، ولا تتسرّع، لأن طيش العقل يُزري بالكبار. هي تحتفظ بالصمت والوقار، حين يطرق سمعها هذيان اللعب بالخرائط. لأنه لو حدث ذلك وعمدت كل قوة إلى دوس كل القوانين والأعراف والمواثيق، فعندئذ لن يَقَرّ لقارّة قرار.
لزوم ما يلزم: النتيجة التصحيحية: في الليلة الظلماء تنبعث الشمسُ.
0 تعليق