اللانصر واللاهزيمة في حرب لبنان! - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

يصعب أن يصمد طويلاً اتفاق وقف إطلاق النار على الجبهة اللبنانية. فقبل أن يجف حبره، اختُرِقت التزاماته.. وثغراته قد تفضي إلى تقويضه.
«لا يعني وقف إطلاق النار إنهاء الحرب، وقد يكون قصيراً». هكذا تحدث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعد يومين من «خطاب النصر»، الذي أعلن فيه وقف إطلاق النار، أو «الهدنة المؤقتة» بمعنى أكثر واقعية.
حاول في ذلك الخطاب أن يضفي على نفسه صفة «المنتصر»، لكنه عاد ليعترف أمام الكاميرات بما معناه أن موافقته على وقف إطلاق النار كانت اضطرارية حتى يمكن إعادة تسليح الجيش بما يحتاجه من عتاد وذخيرة!
لم تقتنع أغلبية الإسرائيليين، حسب استطلاعات الرأي العام، بأن هناك نصراً تحقق، رغم فوارق السلاح والاغتيالات، التي نالت من قيادات حزب الله، والتهديم الواسع لمبانٍ ومواقع في العاصمة بيروت والجنوب اللبناني والبقاع.
الحروب تقاس بنتائجها السياسية، لا حزب الله تقوض، ولا مخزونه التسليحي نفد، ولا سكان الشمال عادوا إلى مستوطناتهم بأمان حتى الآن كما تعهد سابقاً.. ولا كان ممكناً إنشاء حزام أمني بذريعة حماية أمن الحدود الإسرائيلية.
الصور لخصت مفارقات الحرب، ابتهاج لبناني واسع بوقف إطلاق النار وعودة تلقائية إلى الضاحية الجنوبية وبلدات الجنوب وعلامات النصر ترفع.. يقابله شعور طاغ بخيبة الأمل في أوساط مستوطني الشمال لعدم تمكنهم من عودة مماثلة، وجدل محتدم حول النتائج الحقيقية للحرب.
بقوة الحقائق لم يكن هناك طرف منتصر وآخر مهزوم في هذه الحرب. حالة اللانصر واللاهزيمة تؤسس لحرب جديدة بعد وقت أو آخر.
لماذا وافقت إسرائيل، اليوم وليس قبله، على وقف إطلاق النار مع حزب الله في لبنان قبل أن تحقق أهدافها المعلنة؟ هناك مجموعة من الأسباب المتداخلة:
أولها، الحالة التي وصل إليها الجيش الإسرائيلي من إنهاك في حربي غزة ولبنان وحاجته إلى التقاط الأنفاس. ثانيها، نجاح المقاومة بسرعة لافتة في امتصاص الضربات القاسية، التي قضت على أغلب هيكلها القيادي، وإثبات قدرتها على إلحاق الألم بالطرف الآخر. ثالثها، الوضع الداخلي اللبناني، الذي لم ينفجر خشية الاحتراب الأهلي، وإدراك أغلبية اللبنانيين، ممن يختلفون مع الحزب، أن إسرائيل تستهدف وجود البلد واحترامه لسيادته، لكن تناقضاته لاحت على مرمى البصر، منذرة بما قد يفضي إليه أي حساب لا ينظر في الحقائق حوله. رابعها، خشية استصدار قرار أممي بوقف الحرب قبل أن تنقضي ولاية الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن حتى يحسن من صورته، التي تقوضت تماماً إثر تورطه الكامل في حربي غزة ولبنان.
اللافت هنا أن الرئيس المنتخب دونالد ترامب أكد أولوية وقف الحرب في لبنان فور أن يدخل البيت الأبيض.
الضغط الأمريكي حاضر، لكنه لم يكن العامل الحاسم. خامسها، الحسابات الإيرانية المتداخلة في الملف، التي تنظر فيما يمكن أن يحدث تالياً، وبالأفق ملامح سيناريو غربي يميل إلى الاحتواء بدلاً من الصدام مقابل خفض التصعيد في الشرق الأوسط.
الحسابات المتداخلة أفضت إلى وثيقة وقف إطلاق النار بالصيغة التي خرجت بها. وفق نصوصها فإن هناك تنازلات جوهرية اضطر إليها حزب الله أهمها وأخطرها: «يحتفظ الطرفان بحق الدفاع عن النفس ضمن أطر المواثيق الدولية».
كان ذلك النص - بالذات- محل اعتراض واسع من كافة الأطراف اللبنانية، حيث يعطي رخصة لإسرائيل بالتدخل العسكري في أي وقت وانتهاك الأجواء اللبنانية باسم حقها في الدفاع عن نفسها، وهو حق عهد عنها التوسع في تعريفه بما ينتهك كل القوانين والمواثيق الدولية، كأنها دولة فوق القانون.
الكلام عن أن لبنان له نفس الحق، مراوغة مع الحقائق، فالوثيقة نفسها تتبنى استراتيجية كاملة تفضي إلى «تفكيك جميع المنشآت غير القانونية المعنية بإنتاج الأسلحة».. و«تفكيك البنى التحتية والمواقع العسكرية ومصادرة أية أسلحة غير قانونية لا تتماشى مع هذا الالتزام». بأي نظر موضوعي، فهذه وثيقة سيئة، تفتقد إلى التوازن وتجحف بحق لبنان.
هذه المرة لم يخرج حزب الله منتصراً على النحو الذي حدث في حرب تموز 2006، ومكنه من تكريس صورته ونفوذه. لم يُهزم، لكنه لم ينتصر.
الاختبار الحقيقي الذي ينتظره أمام الخروقات الإسرائيلية المتواصلة.. مدى قدرته على ضبط النفس والحفاظ في نفس الوقت على ثقة جمهوره وأنصاره.
أسوأ ما يترتب على وقف إطلاق النار: إنهاء الإسناد اللبناني للفلسطينيين في غزة، أوقفت الحرب على جبهة الإسناد الأساسية، وبقيت جبهة غزة وحيدة في العراء الاستراتيجي.
عندما بدأت الحرب على لبنان سحبت فرق وألوية عسكرية من غزة إلى الشمال، وصدرت تصريحات إسرائيلية تقول إن عملية غزة أنجزت مهامها، وإن الحرب فيها أصبحت ثانوية.
خالفت الحقائق التصريحات، ودخلت إسرائيل في حرب استنزاف منهكة بالقطاع المعذب.
فور الإعلان عن وقف إطلاق النار، رغم الخروقات، عاد التركيز مجدداً على غزة التي لم ترفع الرايات البيضاء رغم ما تتعرض له من حرب إبادة وتجويع.
ما الذي قد يحدث غداً؟ هذا هو سؤال مصير القضية الفلسطينية إلى أماد طويلة مقبلة.

0 تعليق