كثير من الكتّاب يُخلّفون وراءهم مخطوطاتِ كتبٍ، قد تكون مكتملة وقد لا تكون، لم يسعهم أن ينشروها في حياتهم. الأسباب في ذلك متعددة، كأن يكون الكاتب غير مقتنع بالمسودة التي وضعها، على أن يعود لها لاحقاً ليدققها ويطوّرها ويُكملها، أو حتى يختصرها، لكن العمر أو الصحة لم يسعفاه في ذلك، وفي بعض الحالات يُؤْثِر بعض الكتاب أن تصدر بعض مؤلفاتهم بعد وفاتهم، بل ويوصون بذلك، تفادياً لردود فعل قد تنال منهم وهم أحياء، وفي حالات أخرى قد يرى الكاتب أن تلك المسودات غير جديرة بالنشر، وربما فضّل أن يتخلص منها بدلاً من أن تنشر بعد رحيله؛ لأنها أضعف من مؤلفاته التي نشرت في حياته.
لا يتصل الأمر بالكتب وحدها، وإنما يشمل أيضاً ما يندرج في تفاصيل حياة الكاتب التي قد تشي بها مراسلاته مع من أحبّ، أو مع أصدقاء يعزّهم، وما أكثرَ الرسائل الخصوصية لكتّاب مرموقين، والتي نشرت بعد موتهم، وفي الغالب ما كانوا سيوافقون على نشرها لو أنهم بقوا على قيد الحياة، ولكن هناك من رأى العكس بعد موتهم، سواء أكانوا ورثة أو ناشرين أو حتى من كتبت إليهم هذه الرسائل من قبل الكاتب المعنيّ.
قبل وفاته وُجّه إلى جان بول سارتر سؤال عما إذا كان مهتماً بنشر رسائله الخاصة، بما في ذلك إلى شريكة عمره، سيمون دي بوفوار، فأجاب بالتالي: «بصراحة لا أهتم». مشيراً إلى أنه لا يرى كثيراً من الخطابات التي كتبها تستحق النشر؛ لأنه حين كتبها لم يكن في ذهنه أنها ستنشر، فلم يراعِ ذلك وهو يكتبها، لكنه قال فيما يشبه الاستدراك إن رسائله إلى دي بوفوار يمكن أن تنشر إذا وجدت؛ لأن الكثير منها، نحو مئتي رسالة، ضاعت عند الهروب من باريس فترة الحرب العالمية الثانية، ورسائل أخرى وصفها بالممتعة فقدت. وختم سارتر كلامه بالقول: «ليس لديّ اعتراض على نشر رسائلي، وهي مع نساء فقط، وسواء نشرت أم لم تنشر فذلك لا يقلقني البتة».
هذا فيما يخص الرسائل، أما فيما يتعلق بنشر مخطوطات نصوصه غير المنشورة بعد موته، فلم يُبد سارتر اعتراضاً على ذلك أيضاً، قائلاً إنه سيعهد في وصيته إلى محررين أو أوصياء، سيمنحهم كامل الحرية في أن يفعلوا ما يرونه الأصوب، مشدداً على أنهم لن يكونوا من أفراد عائلته أو أصدقائه المقربين.
الإشارة الأخيرة في كلام سارتر عن استبعاد عائلته وأصدقائه من تقرير مصير مخطوطاته نابعة، على الأرجح، من رغبته في ألا تدخل العاطفة فــي تقييم تلــك المخطوطــات، وأن يعهد الأمر إلى محـــررين محايديـــن يعتـــمدون المهنية فــي تقييم تلك المخطوطات.
0 تعليق