سواء غابت مظاهر الفرح بالتغيير أو بقيت، من حق كل الشعب السوري الاستبشار والحُلم بغدٍ أفضل يمحو معاناة عقود راكمت في نفوس الأغلبية رغبة في التخلص من النظام حتى انتهى أو سقط على النحو المفاجئ لكثيرين من حيث السرعة والشكل الدرامي الذي يحتاج إلى بعض الوقت للإفصاح عن تفاصيله.
ولأن في منطقتنا منذ أواخر 2010 نماذج للتغيير تباينت فيها مخاضاتها ومآلاتها، يقلّب السوريون أعينهم بحثاً عن الأنسب منها للتطبيق في تجربتهم الجديدة، وبعضهم يرفضها كلها، أملاً في اجتراح مشروع خاص يليق بالحالة السورية وحدها ويراعي طبيعة مكوناتها..
أما الذين يتنقلون بين النماذج المجربة، فبعضهم يرفض، مثلاً، ما يسمى السيناريو المصري، وهو الأكثر تداولاً في هذه الفترة، أو نظيره التونسي، خاصة أنهما، مع الاختلاف في مقدماتهما وخطواتهما، يلتقيان عند وجود دولة مستقرة موحدة بنظام حكم قابض على مجريات الأمور لا يؤثر فيها أي اختلاف طبيعي مع سياساته أو نتائجها.
وأياً ما كانت وجهة نظرالسوريين، فالمهم الاتفاق على السيناريو، والأهم منه هو الالتزام بالمحدِّد الذي لا يجوز غيابه أبداً، وهو الحفاظ على المقومات الأساسية للدولة، أو المبادئ الضرورية لبناء دولة وطنية موحدة رغم أي تباين بين مكوناتها.
وفي نشوة الفرح بالتغيير، هل من الممكن القول إن هذا الاتفاق المرتجى دونه منغصات ومهددات لا يمكن تجاوزها أو التغاضي عنها أو التحايل على النفس بادعاء أن كل شيء بعد سقوط النظام هيّن، وأن كل ما يليه نعيم مقيم؟
إن الحلم بالدولة الوطنية الموحدة لا يجوز أن يغفل عن احتلال جزء منها، وأن محتله استغل لحظة التغيير للتمدد في المزيد من الأرض السورية وفرض جغرافيا جديدة، بل إنه يتجاوزها ويضرب في نقاط سورية بعيدة عنها. وإذا حاجج أحد بأن الاحتلال قديم واعتداءاته مستمرة منذ عقود، أو أنه لا وقت لمواجهتها، فإن الخشية على بقية الأجزاء السورية التي تتنازعها سيادات دولية وإقليمية عدة، منها ما هو ممثل في قوى التغيير، وأخرى تنتظر المشاركة في قطف ثماره.
لا شك في رغبة السوريين في استعادة وطن يتسع لكل اختلافاتهم، وهي عامل مؤثر في ابتعادهم المحمود عن أي عنف مبعثه تصفية حسابات بين المكونات الشعبية، وأملهم في عيش مشترك أساسه الانتماء الوطني والعدالة. كل هذا يتهدده خطر انقلاب القوى المهيمنة على القرار السياسي السوري على ما تعد به، وظهور وجوه أخرى لها متعارضة في ما تنطق به باسم هذه الدولة أو تلك، أو معبرة عن أطماع الجيران وغيرهم.
ساعتها، لن يكون بوسع السوريين، للأسف، الانتقاء من نماذج التغيير السلس، وسنكون جميعاً أمام سيناريو قاتم في سوريا يتمدد في معظم دول المنطقة ويبقى طويلاً، والثمن، بلاشك، باهظ.
0 تعليق