تدق «أزمة القدرة التنافسية» ناقوس الخطر فـــي الاتحاد الأوروبي؛ حيث يتخلف الاستثمار والدخل والإنتاجية، وتشـهد حصة أوروبا من الاقتصاد العالمي «تقلصاً متزايداً»، وتتفاقم المخاوف من أن القارة «لم تعدْ قادرة على مواكبة الولايات المتحدة والصين؛ فعلى مدى العشرين عاماً الماضية، شهدت القارة الأوروبية تراجعاً ملحوظاً في مجالات حيوية، أبرزها التحول الرقمي، ففي الوقت الذي هيمنت فيه الولايات المتحدة على هذا المجال، وجدت أوروبا نفسها متخلفة عن الركب وغير قادرة على مواكبة التطورات المتسارعة في عالم التكنولوجيا. هذا التخلف التكنولوجي لم يقتصر تأثيره على قطاع بعينه، بل امتد ليشمل مختلف جوانب الاقتصاد الأوروبي، ما أدى إلـــى تراجع تنافسية القارة على الصعيد العالمي. ويشير معهد الإنتاجية البريطاني إلى فجوة الإنتاج» في الاتحاد الأوروبي، بانخفاض إنتاجية منطقة اليورو بنسبة 1.2% على أساس سنوي في الربع الرابع من عام 2023، أما في الولايات المتحدة، فقد ارتفعت الإنتاجية بنسبة 2.6% في نفس الفترة. وارتفعت إنتاجية الأيدي العاملة بأكثر من ضعف نظيرتها في منطقة اليورو وبريطانيا في العقدين الماضيين، وأنه «على المدى الطويل، فإن نمو الإنتاجية في الولايات المتحدة يُتوقع أن يكون أعلى من نظيره في أوروبا التي لا تُظهر نفس الحيوية، وهذا يؤدي إلى اتساع فجوة النمو بين واشنطن وبروكسل». كما تتخلف الاستثمارات الخاصة الأوروبية أيضاً. على سبيل المثال، تراجع استثمار الشركات الكبرى في عام 2022 بنسبة 60% مقارنة بنظيراتها الأمريكية، وفقاً لتقرير صادر عن معهد ماكينزي العالمي. أما بالنسبة إلى نصيب الفرد من الدخل القومي، فهو أقل بنسبة «27% في المتوسط» مقارنة بالولايات المتحدة. كما أن نمو القدرة الإنتاجية الأوروبية «أبطأ» من الاقتصادات الكبرى الأخرى، في حين أن أسعار الطاقة «أعلى بكثير». ووفق «التقارير الاقتصادية الامريكية ؛ فإن قائمة الأسباب وراء ما أُطلق عليه «أزمة القدرة التنافسية» تطول لتشمل كثرة اللوائح التنظيمية فــــي الاتحاد الأوروبــي، مع تـــراجع السلطات التي تتمتع بها قيادته في بروكسل، والانقسامات الحادة في أسواقه المالية، والتراجع الحاد في الاستثمارات العامة والخــاصة، وصغر الشركات إلى الحد الذي يجعلها غير قادرة على المنافسة على النطاق العالمي.
ونتيجة لهذا بدأ الزعماء الأوروبيون ينتبهون إلى حقيقة مفادها أن الاتحاد الأوروبي يعاني من مشكلة القدرة التنافسية. في عالم حيث الولايات المتحدة هي القوة العظمى في مجال الابتكار، والصين هي القوة العظمى في مجال الإنتاج، فإن كون الاتحاد الأوروبي قوة تنظيمية عظمى لا يكفي؛ ففي الثالث من أكتوبر/تشرين الأول أطلق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون جرس إنذار، بأن واشنطن وبكين تتفوقان على الاتحاد الأوروبي في كل من الناتج الاقتصادي والاستثمار، ولن تتمكن أوروبا من المنافسة مع الدول الأخرى، ما لم تتحرك بسرعة لإكمال الاتحاد المصرفي، وجعل قواعد التجارة العالمية أكثر عدالة، بل وحذر بأن الاتحاد الأوروبي «قد يختفي خلال السنوات المقبلة»، إذا لم يعزز سريعاً قدرته التنافسية في مواجهة الصين والولايات المتحدة، داعياً إلى «ضرورة إجراء إصلاحات جذرية للنهوض مرة أخرى». في حين قال رئيس الوزراء الإيطالي السابق إنريكو ليتا، بعد أن قام بتسليم تقرير بشأن مستقبل السوق الموحدة إلى الاتحاد الأوروبي: «نحن ضئيلون للغاية». وحذر ماريو دراجي، الرئيس السابق للبنك المركزي الأوروبي في تقريره بشأن القدرة التنافسية الأوروبية، الذي نشر في 9 سبتمبر/أيلول 2024، من أن الاتحاد الأوروبي يواجه «تحدياً وجودياً» إذا لم يحول اقتصاده جذرياً فهو يعاني مشاكل اقتصادية عميقة، وركوداً في مستويات المعيشة، وتخلفاً تكنولوجياً، وعجزاً جيوسياسياً، في غياب أي عملية إصلاح جذرية. كما صرح بأن «التنظيم وصناعة القرار والتمويل لدينا مُصمَمة لعالم الأمس، ما قبل فيروس كورونا، وما قبل حرب أوكرانيا، وما قبل الصراع في الشرق الأوسط، وما قبل عودة التنافس بين القوى العظمى». وأن «التغيير الجذري» يمثل «ضرورة قصوى». يعني هذا من وجهة نظره «زيادة هائلة في الإنفاق المشترك، وإصلاح التمويل واللوائح التنظيمية الفوضوية في أوروبا، ودمج الشركات الصغيرة».
كما رأى أحد المراكز البحثية في بروكسل، أن السياسات التي تحكم الطاقة والأسواق والخدمات المصرفية «متباينة للغاية». وأنه «إذا استمر وجود 27 سوقاً غير متكاملة على نحو جيد، فلن تستطيع أوروبا منافسة الصينيين والأمريكيين. كما أن هناك من رأى: أن مشكلة أوروبا الرئيسية تكمن في مجموعة من المجالات، من الذكاء الاصطناعي إلى أشباه الموصلات إلى الحوسبة الكمومية، تتقدم الولايات المتحدة وحتى الصين كثيراً على أوروبا. وتشير دراسات اقتصادية، إلى أن أوروبا قد اتخذت بالفعل بعض الخطوات لمواكبة التقدم الاقتصادي في الولايات المتحدة والصين، فقد أقر الاتحاد الأوروبي «خطة صناعية» لتسريع تحول الطاقة، واقترح لأول مرة «سياسة دفاعية صناعية». ولكن «اعتبرت تلك الدراسات أن هذه الجهود غير كافية أمام الموارد التي توظفها الولايات المتحدة والصين». وبرغم أنه لا يزال هناك مجموعة كبيرة في أوروبا، وأماكن أخرى، تفضل الأسواق المفتوحة وتتشكك في التدخلات الحكومية، إلا أن العديد من كبار المسؤولين الأوربيين والزعماء السياسيين وقادة الأعمال يتحدثون على نحو متزايد عن الحاجة إلى عمل جماعي قوي.
0 تعليق