نواف سلام من رئاسة «العدل الدولية» إلى رئاسة الحكومة اللبنانية.. هل دخلتْ شعلة انتفاضة 17 أكتوبر السرايا؟ - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

... إنها المفاجأة غير المفاجئة. بهذا التوصيف يمكن اختصار اليوم الطويل من الماراثون الديمقراطي الذي شهدتْه بيروت أمس وكانت اشتاقت إليه طويلاً، فتُوِّجت المنازلةُ السياسية فيه باختيار رئيس محكمة العدل الدولية السفير السابق نواف سلام لتشكيل الحكومة الأولى في عهد الرئيس جوزف عون.

المفاجأةُ تجلت في انقلاب التوقعات بإمكان معاودة تسمية رئيس الحكومة الحالي نجيب ميقاتي، المدعوم من الرئيس نبيه بري و«حزب الله»، والتي سادت ليلاً ربطاً بما أشيع عن تفاهمات ضمنية رافقت انتخاب عون رئيساً الخميس الماضي، قبل أن يتبدّل المزاج النيابي في اتجاه دعم كتل وازنة تسمية نواف سلام.

ناقلة نفط خام ترسو قرب محطة كوزمينو أمام خليج ناخودكا في روسيا (رويترز)

منذ 7 ساعات

قوات إسرائيلية قرب الحدود اللبنانية

9 يناير 2025

وغير المفاجئ هو أن لبنان يَمضي قدماً في الالتحاق بالتحولات الكبرى الجيو - سياسية في المنطقة والتي شقّت طريقها بانتخاب رئيس جمهورية من خارج النادي السياسي، كما شريكه في السلطة التنفيذية نواف سلام الذي يتربّع على قوس محكمة العدل الدولية في لاهاي التي طار منها أمس بعد فوزه المرموق على أن يكون صباح اليوم في بيروت.

«حَكَمَ العالمَ»

إنها مرحلة النهج الجديد التي دخلها لبنان بانتخاب عون وتكليف سلام، الحقوقي والدبلوماسي الذي «حَكَمَ العالمَ» يوم تَرأسَ مجلس الأمن إبان تمثيل لبنان في مانهاتن وشكّل اختيارُه للكرسي الأول في محكمة لاهاي، قطرةَ ضوء في عتمة بيروت تركت حينها صدى ما فوق عادي في بلادٍ تُداوي يأسَها بإنجازاتٍ فردية لمواطنيها في الخارج الذين غالباً ما يتميّزون بالفرادة والنبوغ.

فسلام القاضي تولى منصبَ «الخمس نجوم» فيما كانت محكمته تنظر في «قضية العصر» مع دعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل بتهمة ممارسة الإبادة الجَماعية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة.

ولم يكن عابراً في «أوّل الكلام» بعد تعيينه في فبراير 2024 - الذي قوبل في الصحافة الإسرائيلية بعنوانٍ هجومي في «جيروزاليم بوست»: «انتخاب القاضي المعادي لإسرائيل نواف سلام رئيساً جديداً لمحكمة العدل الدولية» - ان يكتب سلام عبر منصة «اكس»: «انتخابي رئيساً لمحكمة العدل الدولية مسؤولية كبرى في تحقيق العدالة الدولية وإعلاء القانون الدولي. وأول ما يَحضر إلى ذهني أيضاً في هذه اللحظة هو هَمّي الدائم أن تعود مدينتي بيروت، أُماً للشرائع كما هو لقبها، وأن ننجح كلبنانيين في إقامة دولة القانون في بلادنا وأن يسود العدل بين أبنائه».

وهذا «الإهداء» لبيروت عَكَس تعلُّقاً عميقاً بالعاصمة الصامدة في وجه كل العواصف من الرجل الذي كان صال وجال كثيراً في كواليسها السياسية باحثاً عن مَخارج لكوابيسها، وحَضَرَ في أنشطتها الفكرية وصحافتها، وعرَفه الخارجُ دبلوماسياً جاداً قبل أن يرتبك الداخلُ حين لمَع اسمُه كمرشّح لرئاسة الحكومة بعد ثورة 17 أكتوبر 2019، ثم إبان ما عُرف بالمبادرة الفرنسية التي حاولت تسويقَ مقايضة لإنهاء الفراغ في رئاسة الجمهورية (منذ أن بدأ في 1 نوفمبر 2022) على قاعدة «سليمان فرنجية رئيساً للبلاد (من فريق الممانعة) ونواف سلام لرئاسة الحكومة (بوصفه قريباً من جو ما كان يُعرف بقوى 14 مارس).

فقبل تعيينه على رأس محكمة العدل الدولية والذي تحوّل «خبراً عاجلاً» غزا بيروت التي فاضتْ بالفخرِ بإنجازٍ لم يُسجَّل سابقاً باسم عربيّ إلا مرة واحدة (منذ إنشاء المحكمة في 1945) حين تولى وزير خارجية الجزائر الأسبق محمد بجاوي هذا المنصب الرفيع في 1994، لم يغادر اسم نواف سلام، الدبلوماسي والأكاديمي والكاتب والقاضي (في العدل الدولية) الأنديةَ السياسية والدبلوماسية، ولا سيما حين طُرح كأكثر المرشّحين الجديين لترؤس الحكومة في لبنان بعد الانتفاضة الشعبية في 17 أكتوبر 2019، خصوصاً في ضوء ما أشيع آنذاك عن دعْم هذا الخيار من عواصم إقليمية ودولية كون سلام من خارج الطبقة السياسية المتّهَمة باقتياد البلاد إلى فم المجهول.

ورغم أن سلام، الرجل المتصالحة هوياتُه المتعددة والذي بقيَ محتجباً عن الجَلَبة في لحظةِ صعود اسمه كمرشحٍ لرئاسة الحكومة، لا يُعْلي البُعدَ العائلي في تجربته الخصبة في أكثر من ميدان، إلا أنه شخصية راسخة الانتماء لعائلة بيروتية عريقة (آل سلام) لعبت أدواراً تأسيسية في تاريخ لبنان منذ أن سطع اسم جده سليم سلام إبان الحقبة العثمانية، ومن ثم أمسك بالشعلة عمّه صائب سلام فنجله تمام، وتالياً فإنها عائلة لها باع طويل في السياسة والاقتصاد وارتبطت بعلاقات وثيقة مع الدول العربية.

ونواف عبدالله سلام، الذي وُلد في 1959، جَمَعَ إلى إرثه العائلي تجاربَ سياسية ونجاحات علمية وأدواراً مهمة وقِيَماً شخصية مرموقة... درس في السوربون وهارفرد، تَخَصَّصَ في القانون والتاريخ، أكاديميّ وأستاذ جامعي، محامٍ وقاضٍ وكاتب، ترأس بعثة لبنان في الأمم المتحدة لعشرة أعوام (بين 2007 و2017) وأتيح له خلالها ترؤس «العالم» حين حلّ في رئاسة مجلس الأمن (مايو 2010 و سبتمبر 2011) قبل أن يُعيَّن قاضياً في محكمة العدل الدولية في لاهاي (في 2018) بعد انتخابه من الجمعية العمومية ومجلس الأمن.

«لبنان بين الأمس والغد»

في مقدمة كتابه «لبنان بين الأمس والغد» المؤلَّف من سلسلة أبحاث، حدّد نواف سلام، الذي قلّده الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، شارة «السفير الممتاز» (عام 2017 لمرور 10 أعوام على اعتماده سفيراً لدى الأمم المتحدة)، ما يطمح إليه في لبنان، داعياً إلى «جمهورية ثالثة» و«قيام دولة قادرة وعادلة، ذات إدارة شفافة وفاعلة؛ دولة تؤمّن صحة تمثيل المواطنين وتوافر شروط المساءلة والمحاسبة».

وهذا ما يقوده تالياً إلى التركيز على ضرورة الإصلاح السياسي ومركزيته.

بعد استقالة حكومة الرئيس حسان دياب (10 أغسطس 2020) على وهج انفجار مرفأ بيروت، تم تداول اسم سلام، ودعمتْ بعض المجموعات من الانتفاضة الشعبية ترشيحه لرئاسة الحكومة.

لكن فيتو رئيس الجمهورية آنذاك ميشال عون و«حزب الله» والرئيس نبيه بري مَنَعَ فتْح الباب أمامه، فهذه الأطراف اعتبرتْ أنه مرشح الولايات المتحدة، وليس «مرشح تكنوقراط» أو تسوية أو مرشحاً وسطياً، واتُهم بأنه كان يقف ضد «حزب الله» خلال عمله الدبلوماسي.

أحد وجوه «الانتلجنسيا»

في مستهلّ حياته السياسية، خاض سلام تجارب يَعتزّ بها في دفاعه عن المقاومة الفلسطينية وعن جنوب لبنان في مواجهةِ الاعتداءات الإسرائيلية، وبرز في التسعينات، كأحد وجوه «الانتلجنسيا» في مرحلة السلم الأهلي، وإبان صعود الرئيس رفيق الحريري، حين تَرَكَّزَ نشاطُه على قضايا سياسية أكاديمية مع مجموعة مفكّرين وشخصيات أكاديمية، من أمثال فريد الخازن والقاضي عصام سليمان والأكاديمي بول سالم، إضافة إلى مجموعة من الكتّاب والصحافيين، كالراحل سمير قصير والروائي الراحل الياس الخوري والدكتور أحمد بيضون، وشخصيات أخرى كانت تلتقي في حلقات نقاش دائمة في مرحلة ما بعد الحرب وبملاقاة حال النهوض الجديد للبنان.

وبرز حضور سلام في جريدة «النهار» عبر مقالات سياسية وأكاديمية طَرَحَها للنقاش، وتَعَزَّزَ وجودُه الفكري - السياسي من خلالها مع علاقته المميزة بالراحل غسان تويني، (تزوّج لاحقاً بالصحافية في «النهار» سحر بعاصيري التي أصبحت سفيرة لبنان في الأونيسكو).

وهذا الأمر عرّضه لاحقاً لاتهامٍ غير مسنَد وغير صحيح بعلاقته باتفاق 17 مايو (1983)، الذي ألغي لاحقاً، بسبب دور تويني كمستشار لرئيس الجمهورية آنذاك أمين الجميل حين دارت المفاوضات اللبنانية - الإسرائيلية.

ويقول الروائي الراحل الياس الخوري في تغريدة – إبان طرح اسم سلام لرئاسة الحكومة - في معرض دفاعه عنه في وجه حملات ظالمة وتشبه «أمر عملياتٍ» إنه «لبناني عروبيّ تصدى للسياسات الأميركية ضد الحق الفلسطيني، وكان مُدافِعاً عن استقلال لبنان وحريته، فهو كتب كثيراً عن دوره إلى جانب القضية الفلسطينية».

وفنّد سلام، الذي وقف خلف المتراس الأمامي في كفرشوبا الجنوبية في العام 1974 مع خيرة طلبة الجامعات، في أحد تعليقاته ردّاً على مَن هاجمه في شأن دوره المقاوم بالقول إن «الإشارة السريعة إلى نضالي إلى جانب المقاومة الفلسطينية في مطلع سبعينات القرن الماضي تؤكد دون شك أنه كان لي (آثار أقدام) مشرّفة في التصدي للعدو الصهيوني. ولكن كانت لي الجرأة في مراجعة هذه التجربة للقول، إنه مثلما كان على خطأ مَن اعتبر يومها أن (قوة لبنان في ضعفه)، فإنه كان على خطأ أيضاً مَن حمّل منا لبنان أكثر من طاقته بدعْمه غير المشروط للمقاومة الفلسطينية».

كان سلام في مرحلة ما بعد العام 2000 حاضراً بقوة في الأوساط الفكرية والسياسية التي كانت بدأت تلتقي حول مشروع لبنان خارج الصراعات الإقليمية ووهج الوجود السوري وتأثيراته، وأصبح أحد وجوه الأكاديميين - السياسيين في مرحلةٍ حفلتْ بأحداث وتحولات أساسية. واختير يومها عضواً في الهيئة الوطنية لقانون الانتخاب برئاسة الوزير الراحل فؤاد بطرس، وهي الهيئة التي صاغت في 2006 وأقرّت قانون الانتخاب على أساس النسبي والأكثري، لكن لم يُعمل به في حينه.

لم يمارس سلام السياسة التقليدية، فانتقل من الجامعة الأمريكية، حيث دَرَّسَ، ومن القانون والدراسات إلى الديبلوماسية حين عيّنه الرئيس فؤاد السنيورة مندوباً دائماً للبنان في الأمم المتحدة العام 2007 من خارج الملاك.

وخلال عمله واجه تحدياتٍ لها صلة بالتجاذبات السياسية الحادة التي سادت حينها في بيروت، بسبب انقسام البلاد الى معسكريْن (8 و14 مارس)، خصوصاً في ضوء تَزامُن وجوده في مانهاتن مع مرحلة فراغيْن رئاسييْن قبل انتخاب ميشال سليمان وقبل انتخاب عون.

وهو تسلّم خلال هذه الفترة منصب نائب رئيس الدورة الـ67 للجمعية العامة في الأمم المتحدة من سبتمبر 2012 إلى سبتمبر 2013.

ورغم أن سلام حاول طوال وجوده في نيويورك اعتماد سياسة النأي بالنفس عن الصراعات الداخلية والإقليمية والتزام سياسة الحكومات المتعاقبة، إلا أنه اتُهم أكثر من مرة بأنه كان منحازاً محلياً الى فريق «14 مارس» وخارجياً إلى المحور المناهض لـ «حزب الله» وإيران إقليمياً.

علماً أن مرحلة ولايته شهدت تطوراتٍ قاسيةً في الداخل وفي الإقليم، أرختْ بثقلها على لبنان، فيما سعى خلال الحرب السورية الى ترجمة سياسة النأي بالنفس التي مارَسَها بدرايةٍ وحنكةٍ إلى جانب صلابةٍ مشهودة في الدفاع عن حقوق لبنان في وجه إسرائيل.

وحين انتُخب لبنان عضواً غير دائم في مجلس الأمن (2010 - 2011) للمرة الثانية في تاريخه بعدما شغل المنصب شارل مالك العام 1953، أكد سلام في حوار صحافي أنه«معنيّ كبعثة لبنانية في الأمم المتحدة بما يقوله لي البيان الوزاري الذي هو دستور عملنا».

خاض معارك دبلوماسية قاسية في وجه الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على لبنان، وحذّر مراراً من على منبر الأمم المتحدة من انتهاكات إسرائيل للقرار 1701.

«الخيار العربي»

دافع سلام من موقعه أيضاً عن القضايا العربية والقضية الفلسطينية وهو أكد في كلمة له العام 2015 أن «الخيار العربي المعتمد منذ قمة بيروت عام 2002 هو خيار السلام، وهو خيار اجماعي واستراتيجي وثابت، وقد أضحى خيار 57 دولة إسلامية. غير أن هذا الخيار المبني على معادلة الأرض مقابل السلام، لم يلقَ بعد شريكاً إسرائيلياً، خياره الحقيقي السلام هو أيضاً، ولا يتوسله إلا كشعار يتلطى خلفه، بهدف المناورة والتسويف ولفرض أمر واقع جديد على الأرض وتالياً هو عكس السلام فعلياً. ولعل في هذا ما يفسر فشل كل مفاوضات السلام في الأعوام الماضية».

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق