عدل أنبوب التنفس تحت أنفه. وتناول بعض الطعام ثم تحدث مع زوجته وابنته في مواضيع أسرية وأخرى عامة. توضأ وصلى جالساً على سريره وأكملت زوجته النقاش مع ابنته حول الموضوع الذي طرحه. التفتتا إليه فوجدتاه يغادر بسلام وهدوء وسكينة. تغير لون وجهه رويداً رويداً واستراحت يداه نزولاً وتمتم متشهداً...ثم أسلم الروح.
الزميل إيهاب فؤاد حشيش، المحرر النفطي في صحيفة الراي، لم تكن حياته أو عمله الإعلامي بالسكينة نفسها التي انطفأ بها. بل كانت على العكس من ذلك. حضور وصخب وجدل وكلام ومقاطعة. أما حركته فتليق بمجموعة من المتآلفين الذين يقرّرون القيام بأكثر من نشاط في الوقت نفسه.

منذ 37 دقيقة

منذ 37 دقيقة
يستيقظ بعد الفجر أحياناً ليلحق بتغطية إعلامية نفطية صباحية في الأحمدي، ثم منها إلى الشويخ للقاء رئيس شركة أو نائبه، وفي الطريق 10 اتصالات مع 10 مسؤولين في مواقع مختلفة في القطاع وحتى مع موظفين عاديين لجمع الأخبار ومواءمتها وفرزها ونشرها.
وقصة النشر قصة أخرى، يجول بين كل مكاتب الصحيفة طارحاً ما عنده، مستمعاً إلى أي ملاحظة ومتابعاً لمكان النشر وحجمه. عبارته الشهيرة: «حصلت على سبق إن لم نبثه بسرعة يحترق علينا»... تفوق الراحل إيهاب في تغطية أخبار النفط، وكان سباقاً في الخبر، مميزاً في التحليل، بارعاً في المقابلات كاشفاً الكثير من الأضواء في تحقيقاته التي كانت تلقى صدى استثنائياً.
وبين الحضور الصاخب والجدال، يشهد له الجميع بدماثة خلقه وتقيده الصارم بالتقاليد الاجتماعية التي نشأ عليها. يخاطب من يحبهم بلقب «باشا» وهو يحمل من المرحومين والده ووالدته الشيء الكثير من «الباشوية». كان من أصعب الأمور عند كبار مسؤولي الصحيفة أن يقنعوه بعدم الوقوف كلما اقتربوا من مكتبه أو كان في مكتب أحدهم، ومن المستحيل أن يخطئ في حق من هو أكبر منه سناً.
قريب من الجميع. خدوم. لطيف المعشر. حافظ للامانات. صديق لكل زميل يعرض خدماته بلا حدود عليهم. ودود معطاء لا يأبه بوقت أو جهد طالما أمكنه مساعدة أحد. قمة الانضباط في العمل والمواعيد. لا يسأل عن راحة ولا يريدها أساساً انسجاماً مع حركته الصاخبة... إلا أن أشياء تحصل في الدنيا تحني ظهر الانسان ومن ذلك جائحة كورونا التي طورت عنده ازمة كامنة في الرئتين فأظهرتها وتحول الأمر إلى تليف زحف تدريجياً على وظائف الجسد فأنهكها وانهكته وزرعت الحسرة في قلوب أهله وزملائه.
رحمك الله يا إيهاب، سيفتقدك أهلك واصحابك والزملاء وقيادات وقواعد القطاع النفطي وبلاط صاحبة الجلالة. سيفتقد الجميع الجدل والمناكفات والنقاشات الإعلامية والسياسية. سيفتقدون أناقة البدل وربطات العنق والشالات الفرنسية التي أهداها لك من كنت تحب وتحترم.
ويا ليتك يا باشا بقيت، ويا ليتك استمررت في افتتاح صباحاتنا بعبارة «عندي خبر أعتقد أنه يستحق الصفحة الأولى» ويا ليتنا نستطيع أن نقول لك «كلمنا يا باشا»... لكننا نعلم أنك لن تستجيب وأن ذكراك الباقية في رحاب الاستجابة.
رحمك الله يا إيهاب واسكنك فسيح جناته والهم زوجتك السيدة ولاء وابنتك نجلاء وابنك محمد وابنك إسلام الصبر والسلوان.
....قسم الاقتصاد
0 تعليق