د. عبدالعظيم حنفي*
تعتبر منصة «تيك توك»: التابعة لمجموعة بايت دانس الصينية (ByteDance)، صاحبة التطبيق الأكثر تنزيلاً على الهواتف المحمولة على مستوى العالم. ذلك التطبيق الذي يسمح بمشاركة مقاطع الفيديو القصيرة، ولديه حوالي مئة وسبعين مليون مستخدم في الولايات المتحدة، معظمهم من الشباب، وحقق نمواً مذهلاً في قطاع التكنولوجيا، وتجاوز عدد مستخدميه ملياراً في ما يزيد قليلاً على 5 سنوات، وهو إنجاز وصلت إليه أسرع بسنوات من منصات «فيسبوك» و«يوتيوب»، و«إنستغرام». وأصبح أيضاً ضرورياً للملايين من روّاد الأعمال الصغار. تعدّ الخوارزمية الخاصة بهذا التطبيق من أكثر الخوارزميات كفاءةً في ما يتعلّق بتحديد أذواق وعادات مستخدميه وتلبية حاجاتهم «حسب الطلب». ولكن وقعت منصّة تيك توك في قلب الصّراع الصيني الأمريكي. حيث إن معاداة الصين هي الموضوع الوحيد تقريباً الذي يتفق حوله الجمهوريون والديمقراطيون بعد أن حقّق تطبيق تيك توك نجاحاً هائلاً يؤكّد أن وادي السيليكون لا يحتكر الابتكار التكنولوجي أو لم يعد حكراً على الأمريكيين، وأصبح جزءاً من الجدل حول العلاقة مع الصين، والصعود التكنولوجي لها ومنافستها للتكنولوجيا الأمريكية، إضافة إلى القضايا الأمنية التي يثيرها صانعو السياسية الأمريكيون بالنسبة لاستخدام التكنولوجيا الصينية.
فالولايات المتحدة باتت تعتبر «تيك توك» تهديداً للأمن القومي. وحجتها في ذلك أن الحكومة الصينية لديها مفتاح خوارزمية توصيات التطبيق، وهذه السيطرة تسمح لهم (الصينيين) بالتلاعب بالمحتوى، وإذا أرادوا ذلك، باستخدامه في عمليات تأثير، ويقولون «إن الحكومة الصينية تحتفظ أيضاً بالقدرة على جمع بيانات المستخدمين الأمريكيين، بما يهدد الأمن القومي». كما وجه نواب بالكونغرس انتقادات للشركة بشأن المحتوى وما يشكله من خطورة على المراهقين والشباب. ولذا حظرت الولايات المتحدة التطبيق أولاً على الأجهزة الحكومية كافة، وفي عهد الرئيس بايدن تواصل الهجوم نفسه على «تيك توك» في شكل مفاجئ للشركة، بعدما اطمأن المسؤولون التنفيذيون في «تيك توك» لدى انضمام الرئيس بايدن للتطبيق في إطار حملته لولاية رئاسية ثانية، قبل أن يتنحى عن خوض تلك الحملة لصالح نائبته كامالا هاريس، ما أثبت أن العنصر الوحيد في سياسة بايدن الذي لا يختلف فيه مع الجمهوريين، هو موضوع التنافس مع الصين. والذكاء الاصطناعي والمجال الرقمي اللذان يُعدان حسب معظم المراقبين، عنصر القوة غداً، يوجدان بالطبع في قلب هذا التنافس على الهيمنة. ولقد صدر مشروع قانون في الكونغرس، أطلق عليه «حماية الأمريكيين من التطبيقات الأجنبية الخصمة الخاضعة للرقابة» لحظر التطبيق ما لم تؤل ملكيته لشركات أمريكية وكذلك صدرت أحكام قضائية ومن المحكمة العليا الأمريكية للغرض نفسه.
وكان الرئيس دونالد ترامب في فترته الرئاسية الأولى قد أمر ببيع «تيك توك» لشركات أمريكية، من أجل تأمين البيانات في «سحابة» أمريكية متحكم فيها بشكل جيد، وكل ذلك باسم حماية الأمن القومي. وهكذا قدّم اتفاقاً كانت ستصبح بمقتضاه «تيك توك» كياناً مستقلاً عن الشركة الأم الصينية، وكانت ستصبح تابعة لشركتين أمريكيتين هما: شركة البيع بالتجزئة الكبيرة «وولمارت»، و«أوراكل»، وهي شركة رقمية. ولكن تبين أن الاتفاق سيسمح ل«تيك توك» بالاحتفاظ ب 80% من الحصص، وأن الشركتين الأمريكيتين لن تحصلا سوى على 20%.
بعد فوز دونالد ترامب بانتخابات الرئاسة الأمريكية في الخامس من نوفمبر(2024) كان له موقفه المستجد من الموضوع، وربما يرجع ذلك إلى عدد من العوامل من أهمها:
(1) إدراكه التعبئة القوية جداً من قبل الشباب الأمريكي من أجل الحفاظ على «تيك توك»، حيث أظهرت استطلاعات الرأي أن ما يقرب من ثلثي الشباب يعارضون حظره.
(2) إضافة إلى العشرات من المستخدمات والمستخدمين لتطبيق «تيك توك» الذين يكسبون عيشهم على المنصة والذين قد يواجهون أضراراً جانبية بليغة في حال حظره.
(3) كما يحظى التطبيق بشعبية كبيرة بين الناخبات والناخبين الذين تقل أعمارهم عن 30 عاماً.
(4) حصول ترامب على مليارات المشاهدات عبر هذه المنصة خلال حملته الرئاسية -كما صرح هو نفسه – وترجع أهمية هذا العنصر إلى الحشد الإعلامي الليبرالي المناهض له والداعم لمنافسته على الرئاسة نائبة الرئيس بايدن ومرشحة الحزب الديمقراطي كامالا هاريس.
لكن فور تسلمه الرئاسة في 20 يناير الماضي وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترمب على أمر تنفيذي يُؤخّر فرض حظر على تطبيق المقاطع المصورة القصيرة «تيك توك» لمدة 75 يوماً، بعد أن كان مقرراً إغلاقه في 19 يناير الماضي. وبذلك عاد التطبيق إلى العمل بعد أن أوقف عن العمل لفترة وجيزة في الولايات المتحدة، ، قبل ساعات من سريان قانون يُحتّم على شركته الأم الصينية «بايت دانس» بيعه لأسباب تتعلق بالأمن القومي.
باختصار، بالرغم من أن جمهور «التيك توك» يفضل استخدامه للأغراض الترفيهية، فإنه أصبح إحدى الأدوات السياسية، وجزءاً من تفاعلات العلاقات الدولية، وأحد الملامح الصاعدة للعالم الجديد الذي نعيش فيه. ولذا قال الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، ، إنه يفضّل السماح لتطبيق «تيك توك» بمواصلة العمل في الولايات المتحدة لفترة قصيرة على الأقل، ومن هنا فقد التزم ترامب بوعده باستمرار التطبيق، واستمر تيك توك في العمل على حوالي نصف إجمالي عدد الهواتف المحمولة في الولايات المتحدة، ثم أعلن الرئيس الأمريكي أنه سيدرس صفقة بشأن تطبيق «تيك توك، » تتضمن موافقة الصين على بيع تطبيق مقاطع الفيديو القصيرة، المملوك لشركة بايت دانس، مقابل إعفاءٍ من الرسوم الجمركية الأمريكية على الواردات الصينية، وأعطى تيك توك مهلة حتى الخامس من نيسان/ إبريل) ثم قام بتمديد الموعد. وقد دأب ترامب على استخدم «تيك توك» كمثال على كيفية استخدام الرسوم الجمركية للتفاوض مع الدول الأخرى. ويبدو أن الصفقة كانت في طريقها للإنجاز قبيل إعلان ترامب فرض رسوم جمركية تتراوح بين 10% و50% تقريباً على أكبر شركاء الولايات المتحدة التجاريين - بما في ذلك ضريبة حدودية إضافية بنسبة 34% على الواردات الصينية، الأمر الذي أغضب الصين ولذا اتخذت عدة تدابير مضادة منها إيقاف المضي في الصفق.
* أكاديمي مصري
0 تعليق