د. مهند الوادية*
في كل مرة أقرأ فيها أرقام السوق العقاري في دبي، أعود إلى ذلك الشعور الذي خبرته لأول مرة قبل أكثر من 25 عاماً، حين أدركت أن هذه المدينة ليست كأي مدينة، وأن عقاراتها ليست كأي عقارات أخرى في الأسواق العالمية.
الربع الأول 2025.. أقولها بكل ثقة: «استثنائي، بكل المقاييس».
مبيعات ب 143 مليار درهم في 3 أشهر
متوسط يومي 2.26 مليار درهم من خلال 727 صفقة.
هذه ليست مجرد أرقام، بل هي شهادة ثقة عالمية في سوق يتحدى المنطق، ويثبت مجدداً أنه لا يعرف التباطؤ، بل يتقن الصعود.
مفترق طرق تحوّل إلى طريق سريع
أكثر ما لفت انتباهي في هذا الربع، هو حجم النمو المتوازن بين العدد والقيمة، حيث قفزت المبيعات بنسبة 30% من حيث القيمة، و22% من حيث عدد الصفقات. وهذا الانسجام بين الرقمين، ليس دليلاً فقط على الزخم، بل يعكس نضجاً استثمارياً وارتفاعاً في جودة الأصول المتداولة. وفي التفاصيل تكمن روعة دبي.
القطاع السكني.. الرابح الأكبر
أكثر من 81.3 مليار درهم كانت من نصيب الشقق والفلل، بنسبة نمو 21.7% بالقيمة و22.7% بالعدد. وهذا يعني شيئاً واحداً: الطلب الحقيقي، المضاربة عند مستوياتها الصحية، القطاع السكني هو المحرك الرئيسي في السوق.
أما من ناحية نوعية العقارات، فقد تفوّقت العقارات الجاهزة بوضوح، مستحوذة على 61% من المبيعات. هذا مؤشّر مهم يعكس نضج القرار الشرائي، وثقة المستثمرين في العائد الفوري، خاصة في ظل استمرار الطلب على الإيجارات وارتفاع العوائد.
سوق الأراضي.. بطل الظل الذي أصبح تحت الضوء
قفزت مبيعات سوق الأراضي في دبي بنسبة 44.5% لتصل إلى أكثر من 60.7 مليار درهم خلال الربع الأول. من يتابع السوق جيداً يعلم أن هذا الرقم له العديد من الدلالات والمؤشرات.
هذه القفزة تشير إلى تحركات استراتيجية من مستثمرين كبار، يراهنون على المستقبل. والأهم من ذلك، أنها تعني أننا أمام موجة تطوير جديدة قد تغيّر خريطة دبي خلال السنوات المقبلة.
ولا ننسى بالطبع، أن أعلى صفقات الأراضي سجلتها مناطق مثل مدينة المطار وجراند هيلز والصفوح الأولى.. أما هذا التنوع الجغرافي في مراكز القوة، فهو دليل على اتساع رقعة الفرص.
بين الرهون والهبات.. أرقام لا تقل أهمية
في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2025، سجلت الرهون العقارية نحو 41 مليار درهم من خلال 10949 معاملة، بانخفاض في القيمة مقارنةً ب2024 ولكن بزيادة ملحوظة في العدد. هذا يعني أن المزيد من الناس يستخدمون التمويل العقاري، ولكن بشكل أكثر تنوعاً وذكاءً.
أما الهبات، فبلغت 9.6 مليار درهم، بزيادة 4.3% بالقيمة و12.4% بالعدد. وقد تبدو الهبات رقماً هامشياً للبعض، لكنها مرآة للعلاقات العقارية العائلية والتخطيط المالي طويل الأجل في مجتمع يزداد نضجاً.
تصرفات من ذهب
بإجمالي 194 مليار درهم من التصرفات العقارية في 63 يوم عمل فقط، يكون الربع الأول من 2025 قد تفوق بنسبة 16.2% على نفس الفترة من العام السابق. نحن لا نتحدث فقط عن عمليات بيع وشراء، بل عن حركة كاملة تنبض بالحياة، وتدور عجلاتها في كل الاتجاهات.
المناطق.. عناوين الاستثمار الذكي
أعادت صدارة نخلة جبل علي بأكثر من 7 مليارات درهم التوازن إلى مشهد الاستثمار الساحلي، تلتها مدينة المطار، التي يبدو أنها ستدخل بقوة إلى مصاف المناطق الاستثمارية الأولى.
أما منطقة برج خليفة، رغم منافسة المشاريع الجديدة، فقد حافظت على حضورها بين الخمسة الكبار، في حين أن مناطق مثل جميرا جاردن سيتي ودبي جنوب ومجان والجداف أثبتت جدارتها ضمن أكثر المناطق الواعدة مع ازدياد الطلب عليها.
لا بد من التوقف عند «العقار الجاهز»
عندما تميل كفة العقارات الجاهزة بهذه الطريقة، فهذا يعني أن السوق بدأ يجني ثمار المشروعات التي تم تطويرها سابقاً، وأن الكثير من المستثمرين أصبحوا يفضلون الوضوح الفوري على الوعود المستقبلية، خصوصاً مع ارتفاع عوائد الإيجار، وثبات معدلات الإشغال.
وفي رأيي، هذا لا يقلل أبداً من أهمية العقارات على الخريطة، لكنّه يؤكد ضرورة التوازن، وإعادة التفكير في عروض المطورين وطرق تسويقهم في السوق الحالي.
الآن.. إلى الربع الثاني:
كل المؤشرات تشير إلى مزيد من الارتفاع رغم الأداء التاريخي للربع الأول، فإن ما هو قادم قد يفوق التوقعات في ظل مرحلة من الاضطراب الاقتصادي العالمي، مدفوعة بسياسات جمركية جديدة أطلقها دونالد ترامب، تعيد رسم خريطة التجارة الدولية، ومنها العقار من حيث:
* أسعار مواد البناء والتوريد، ما يزيد من كلفة المشاريع الجديدة، ويرفع جاذبية العقارات الجاهزة.
* نزوح رؤوس الأموال من الأسواق المتوترة نحو دبي، باعتبارها بيئة محايدة وآمنة ومستقرة تشريعياً ومالياً.
* نمو الطلب على الإيجار في ظل انتقال الأفراد والشركات إلى دبي كمركز بديل للأعمال والسكن.
* مستوى الثقة المتصاعد بدبي كمركز استثماري عالمي مستقل عن مزاج الأسواق الأخرى.
أضيف إلى ذلك أن التحفيزات المستمرة من حكومة دبي، وقوانين الإقامة، والانفتاح على الجنسيات المختلفة كلها، تصنع بيئة لا تشبه أي مكان آخر.
ما تحقق في الربع الأول ليس نهاية الإنجاز، بل هو بداية مرحلة جديدة عنوانها: «من يملك عقاراً في دبي، لا يملك فقط أصولاً.. بل يملك مستقبلاً».
* الرئيس التنفيذي ل«هاربور العقارية».
0 تعليق