الاستثمار في التكنولوجيا المالية - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

علي سلطان ركاض العامري *

يشهد القطاع المصرفي تغيّرات هائلة مدفوعةً بالتحول الرقمي السريع وتطلعات المستهلكين دائمة التطوّر والتغير. ومع استمرار نمو التقنيات الرقمية، مثل الخدمات المصرفية عبر الأجهزة المحمولة، والذكاء الاصطناعي، والبلوك تشين، يدخل القطاع حقبة جديدة لم تعد فيها الحلول الرقمية جزءاً من الكماليات، ولكنها غدت ضرورة حتمية. ومع احتدام مشهد المنافسة، أصبح الاستثمار في حلول التكنولوجيا المالية أولوية للبنوك الساعية للارتقاء بتجارب عملائها وتبسيط عملياتها وترك بصمتها في الاقتصاد الرقمي المتنامي.

هذا التحول المتزايد نحو الخدمات المصرفية الرقمية يعكس التغيير الجوهري في تطلعات العملاء وتوقعاتهم، بالحصول على تجربة خدمات مالية سلسة تلبي احتياجاتهم بكلفة أقل. وبات يُنظر إلى العمليات المصرفية التقليدية باعتبارها إجراءات بطيئة ومرهقة غير قادرة على مواكبة المشهد سريع التطور. وقد شهد قطاع التكنولوجيا المالية في الإمارات زيادة ملحوظة تصل إلى 92% في عمليات التمويل، ما يدل على دوره المحوري في رسم مستقبل القطاع المالي. ويسعى العملاء اليوم للحصول على حلول توفر معاملات أسرع برسوم أقل، والاستفادة من خدمات مصممة بحسب احتياجاتهم الخاصة، والتحكم بشكل أفضل بشؤونهم المالية، حتى إن هذا التحول لم يعد مجرد توجه عابر؛ إذ سيضع تصوراً جديداً لكامل تجربة الخدمات المصرفية، ليصبح عنوانها الأساسي الراحة والسهولة والكفاءة.

تزخر التكنولوجيا المالية بإمكانات هائلة، وتوفر فرصاً لا محدودة للبنوك التي تعتمدها. وفي ظل التوقعات بأن ينمو سوق التكنولوجيا المالية في الإمارات العربية المتحدة من 3.16 مليار دولار في عام 2024 إلى 5.71 مليار دولار عام 2029، تسهم اللوائح التنظيمية المتقدمة في دعم الاستثمارات، وتسريع تبني الخدمات المالية الرقمية. كما تساعد التطورات والابتكارات في تقنيات البلوك تشين والذكاء الاصطناعي والمدفوعات الرقمية، على صياغة تصوّر جديد للمشهد، سواء على صعيد المستهلكين أو الأعمال.

وتعكس الشراكات، كشراكتنا مع زومو، المنصة الأوروبية لتوفير الأصول الرقمية كخدمة، أهمية البلوك تشين في تعزيز الشفافية في المعاملات، وتحسين نتائج ومخرجات الاستدامة.

أما منصات التمويل مثل «هايفين»، وهي منصة للتمويل التجاري شاركنا فيها كأحد البنوك المؤسسة، فهي تؤكد الإمكانات الهائلة لتقنية البلوك تشين في استخدامات إضافية وأغراض عديدة للشركات. وبفضل ما تتميز به البلوك تشين من خصائص ثابتة وشفافة، تسهم هذه التقنية في تخفيف مخاطر الاحتيال، وبناء الثقة لدى المستهلكين، ما يمهد الطريق لممارسات مصرفية أكثر أماناً.

ومع استمرار جهود البنوك لدمج التقنيات الناشئة، يضيف الذكاء الاصطناعي بُعداً إضافياً للتحوّل، عبر إحداث نقلة نوعية في خدمة العملاء. على سبيل المثال، تدعم الشراكات مع منصات مثل «Zypl.ai»، وهي شركة تكنولوجيا مالية ناشئة تقود مشهد تسخير الذكاء الاصطناعي التوليدي في قطاع الإقراض على البنوك، للاستفادة من الذكاء الاصطناعي والبيانات الاصطناعية لتحسين الكفاءة التشغيلية وتقديم عروض تناسب تطلعات واحتياجات عملائها، ما يعزز رضا العملاء، بل ويزيد ولاءهم ومعدل الاحتفاظ بهم.

ويسهم نمو منصات الدفع الرقمية، كما شهدنا من خلال الشراكة مع «آني»، منصة الدفع الفورية التي تديرها الاتحاد للمدفوعات، في تعزيز راحة العملاء والشمول المالي. فهذه المنصات تساعد على كسر الحواجز والتحديات التي يواجهها السكان الذين لا يمتلكون حسابات بنكية، ما يوفر الخدمات المالية الأساسية لشرائح أوسع من الناس، ويسهم في نهاية المطاف في بناء منظومة مالية شاملة وأكثر إنصافاً.

في هذا السياق، يكثف البنك التجاري الدولي استثماراته في التكنولوجيا المالية، سعياً لتعزيز مساهمته في مسيرة التنويع الاقتصادي في الإمارات العربية المتحدة، وترسيخ مكانة الدولة مركزاً عالمياً للتكنولوجيا المالية. وقد أظهرت البيانات الأخيرة نمواً سريعاً في تبني الخدمات المصرفية الرقمية حول العالم، مع توجه العملاء نحو تفضيل الخدمات عبر الأجهزة المحمولة والمنصات الإلكترونية. وقد أظهرت شراكات التكنولوجيا المالية التي أبرمها البنك التجاري الدولي تحسناً كبيراً في رضا العملاء والكفاءة التشغيلية، ما يعكس التأثير الإيجابي لهذه الاستثمارات الاستراتيجية، بما يواكب توقعات العملاء دائمة التطور. وتماشياً مع الرؤية الاستراتيجية لدولة الإمارات، تدعم هذه المبادرات طموح الدولة لقيادة مشهد الابتكار في التكنولوجيا المالية.

لم يعد الاستثمار في التكنولوجيا المالية اليوم شكلاً من أشكال الرفاهية، بل غدا ضرورة أساسية. وأصبح دمج هذه التقنيات أمراً بالغ الأهمية للبنوك؛ حتى تحافظ على دورها وموقعها في دائرة المنافسة.

فباعتماد هذه الابتكارات، يمكن للبنوك بناء الثقة وتقديم خدمات تلبّي المتطلبات المتغيرة والمتطورة للمستهلكين في عصرنا الحالي. علاوة على ذلك، يدعم التعاون مع شركات التكنولوجيا المالية المضيّ قدماً في مسار إنشاء منظومة مالية أكثر شمولاً وكفاءة، بما يعود بالنفع على المستهلكين والقطاع ككل.

وإذ نتطلع قدماً إلى ما سيحمله مستقبل الخدمات المصرفية، نثق بأن الابتكارات التي نختار الاستثمار فيها اليوم ستلعب دوراً أساسياً في رسم هذا المستقبل. فالتكنولوجيا المالية سترسم آفاق القطاع المالي، وتوفر تجربة مصرفية أكثر أماناً وشمولاً وكفاءة للجميع. وبينما نعمل على مواكبة هذا المشهد الرقمي سريع التغير، علينا الالتزام باغتنام هذه الفرص والاستفادة من كامل إمكاناتها؛ لتوفير خدمات مالية قادرة على تلبية احتياجات عملاء الغد.

* الرئيس التنفيذي للبنك التجاري الدولي

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق