مايك دولان *
من الصعب تخيل أن الكآبة المحيطة بأكبر اقتصاد في أوروبا تتعمق أكثر مما كانت عليه بالفعل، لكن توقعات ألمانيا لعام 2025 تزداد قتامة. ويُرجح المحللون أن يتوقف اقتصاد ألمانيا عن النمو في عام 2024، حيث تواجه الآن حروباً تجارية محتملة مع كل من الولايات المتحدة والصين، ما يفاقم الضغوط على قطاع السيارات المهيمن والمتعثر بالفعل. وبالنظر إلى المخاوف الجيوسياسية المتنامية في حرب أوكرانيا، عاودت أسعار الطاقة الارتفاع مرة أخرى، وخيّم ضباب انتخابات فبراير على المستقبل المالي للبلاد.
ألمانيا ليست عنواناً مطلقاً لمنطقة اليورو، فبقية الكتلة تعمل أفضل بشكل ملحوظ. لكن ثالث أكبر اقتصاد في العالم لا يزال يمثل أكثر من 30% من الناتج المحلي الإجمالي للاتحاد الأوروبي، والمزيد من الضرر لقوته الضاربة تقليدياً قد يُجبر البنك المركزي الأوروبي على تخفيف أكثر بكثير مما تشير إليه تصريحاته الأخيرة بشأن التدرج.
ولكن حتى في موسم مراجعات الاستقرار المالي التي تجريها البنوك المركزية، والقوائم المخيفة المطلوبة من المخاطر الضخمة، برزت نسخة البنك المركزي الألماني هذا الأسبوع. فقد أكد البنك أن قطاع الشركات في البلاد لا يزال يعاني «تحديات هيكلية عميقة» تسببت في انخفاض الأرباح الإجمالية كل ربع سنة تقريباً لمدة عامين.
وسلط المركزي الألماني الضوء بشكل واضح على الضرر الذي قد تلحقه أسعار الفائدة المرتفعة حتى الآن. وأشار إلى أنه من المرجح أن تحدث حالات إفلاس كبيرة للشركات العام المقبل، وأن يظل خطر التخلف عن السداد للشركات غير المالية مرتفعاً، نظراً للتغيير الهيكلي المستمر والضعف الاقتصادي المتواصل.
وعلى الرغم من أن حالات الإفلاس خلال النصف الأول من عام 2024 تظل أقل من ذروة انهيار البنوك العالمية وأزمة اليورو قبل أكثر من عقد من الزمان، فقد أظهر التقرير أنها ارتفعت بنسبة 25% عن العام السابق.
وأضاف البنك المركزي الألماني جرعة من الثقة إلى الكآبة المحيطة، لافتاً إلى أن الاقتصاد لا يزال قادراً على التغلب على الصدمات الضخمة التي شهدها العامان الماضيان. وأشار إلى أن القروض ذات الأسعار الثابتة الممنوحة قبل صدمة أسعار الفائدة في عام 2022 ظلت رخيصة نسبياً بمعدل متوسط يبلغ 2.6%. وبأنه من المرجح أن تشهد نحو 10% من القروض المستحقة التي تحتاج إلى إعادة تمويل بحلول نهاية عام 2025، ارتفاعاً في كلف الاقتراض إلى 4%.
لن يكون هذا جديداً بالنسبة للبنك المركزي الأوروبي، الذي خفّض بالفعل أسعار الفائدة الرئيسية ثلاث مرات منذ منتصف العام من 4% إلى 3.25%، ومن المتوقع على نطاق واسع أن يتحرك مرة أخرى الشهر المقبل.
ومع ذلك، فإن المركزي الأوروبي، شأنه شأن جميع البنوك المركزية الأخرى، لا يمكنه إلا أن يتكهن بآثار حرب تجارية عالمية، ويحتاج إلى الانتظار حتى قدوم ترامب لمعرفة ما إذا كان الرئيس المنتخب سينفذ بالفعل خططه المتعلقة بالتعريفات الجمركية التي هدد بها منذ فترة طويلة. لكن يبدو أن كبار خبراء الاقتصاد في البنك يرون بالفعل أن الحرب التجارية أكثر إثارة للقلق بالنسبة للنمو من التضخم نفسه، وأن الناتج الاقتصادي العالمي سوف يعاني خسارة كبيرة إذا أصبحت التجارة أكثر تجزئة، في حين أن الدفعة الأولية للتضخم سوف تهدأ تدريجياً.
وبالنسبة لمحرك التصدير في ألمانيا، فإن المخاوف التجارية قد تتضاعف ثلاث مرات، وذلك بسبب التأثير المباشر للتعريفات الجمركية الأمريكية الشاملة، واحتمال حدوث ضربة للطلب الصيني الإجمالي على سلعها طبقاً للحواجز الأمريكية الأكثر شدة على المارد الآسيوي، وكذلك الآثار المترتبة على الخلاف المستمر بين بروكسل وبكين بشأن السيارات.
وفي ضوء كل هذا، تظل بيوت الاستثمار الكبرى متفائلة بشكل ملحوظ بشأن التوقعات الأوسع لأوروبا العام المقبل. حيث تدفقت التوقعات السنوية للمستثمرين على مدار الأسبوع الماضي، والمؤيدة في الغالب لبعض الانتعاش الدوري في أوروبا، بمساعدة انخفاض أسعار الفائدة، وضعف اليورو، ومرونة الأسر. وهناك أيضاً بعض الأمل في مزيد من الوضوح بشأن السياسة المالية بعد الانتخابات الألمانية.
وسجل مؤشر الأسهم القيادية في ألمانيا أعلى مستوى قياسي آخر في الشهر الماضي، محققاً مكاسب بنسبة 15% حتى الآن هذا العام، ولم ينخفض إلا بنحو 3% عن تلك الذروة منذ ذلك الحين. والمشكلة بالنسبة لصناع السياسات والمستثمرين على حد سواء هي أن الرؤية منخفضة بشكل لا يصدق وقد تظل كذلك لعدة أشهر.
علاوة على ذلك، يعتقد محللون أن مخاطر التعريفات الجمركية الأمريكية قد تقلل من نمو منطقة اليورو بمقدار نصف نقطة مئوية العام المقبل، وقد تتأثر ألمانيا أيضاً بمخاوفها الانتخابية. وبما أن صندوق النقد الدولي يتوقع بالفعل أن يكون النمو الألماني في عام 2025 هو الأضعف بين دول مجموعة السبع، بنسبة 0.8% فقط، فإن صدمة بهذا الحجم تعني أن البلاد قد تغازل الركود لمدة عام آخر.
قد لا تكون الكآبة الاقتصادية الألمانية شيئاً جديداً، فهناك كل الأسباب للاعتقاد بأنها قد تزداد سوءاً قبل أن تنصلح الأمور.
* محرر الأسواق المالية في «رويترز»
0 تعليق