تحقيق:عماد الدين خليل
في ظل التقدم التكنولوجي المتسارع في عصرنا الحالي، أصبحت التكنولوجيا واستخدام الإنترنت ومواقع التواصل جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية، ومع هذا التوسع الرقمي، ظهرت تحديات تهدد خصوصيات الأفراد وتعرضهم لمخاطر غير مسبوقة، من بين هذه التحديات، يبرز «الابتزاز الإلكتروني» كونه أحد أخطر الظواهر التي باتت تؤرق الأفراد عند استخدامهم للإنترنت.
والإمارات من الدول الرائدة في استخدام التكنولوجيا الرقمية والتطور الإلكتروني، ما جعلها مستهدفة من مجرمين إلكترونيين يسعون إلى استغلال الثغرات الأمنية أو استهداف الأفراد والمجموعات عبر الإنترنت، وبالرغم من الجهود الكبيرة والإجراءات القانونية والتقنيات الحديثة التي تتخذها الدولة لمكافحة هذه الظاهرة، وحملات التوعية، فإن الابتزاز الإلكتروني ما يزال يمثل تهديداً حقيقياً للكثير.
التحذير من الاحتيال والابتزاز من أفراد أو عصابات خارج الدولة
«الخليج» التقت عدداً من القانونيين والمتخصصين الذين تحدثوا عن جرائم الابتزاز الإلكتروني وأسباب انتشارها، وتداعياتها على الأفراد والمجتمع، والآليات القانونية والتقنية المتبعة للتصدي لها، والإجراءات الوقائية التي يمكن للأفراد اتخاذها لحماية أنفسهم، والتعامل مع مثل هذه الجرائم.
الأمن والاستقرار
في البداية، في إطار تنفيذ توجيهات سموّ الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس الدولة، نائب رئيس مجلس الوزراء، رئيس ديوان الرئاسة، رئيس دائرة القضاء في أبوظبي، بتعزيز نشر الثقافة القانونية بين أفراد المجتمع للحفاظ على الأمن والاستقرار، أطلق مركز أبوظبي للتوعية القانونية والمجتمعية «مسؤولية» بدائرة القضاء، مؤخراً حملة توعية موسعة عن مخاطر «الابتزاز الإلكتروني» تستهدف نشر الوعي القانوني بمخاطر تلك الجريمة بما يضمن حمايتهم ووقايتهم، لاسيما في ظل الانتشار الواسع لاستخدام مواقع التواصل.
وتستهدف الحملة التعريف بأبرز المحاذير التي يجب الانتباه لها عند التعامل مع «الإنترنت»، ومخاطر الجريمة الإلكترونية، والعقوبات القانونية، والأسباب والعوامل التي تؤدي إلى وقوع الأفراد ضحايا للمبتزين إلكترونياً بسبب الاستخدام الخطأ لمواقع التواصل، وتوعية أولياء الأمور بأهمية متابعة أبنائهم لحمايتهم من جرائم الابتزاز.
الإحباط والانتحار
ويوضح مركز «مسؤولية»، أنه أحياناً نلاحظ بعض الشخصيات من حولنا أصبحوا يميلون للعزلة وعليهم علامات القلق والتوتر، ويبتعدون عما حولهم وعدم مشاركتهم جماعاتهم، كما يرفض بعضهم بدء علاقات اجتماعية جديدة، كما يلاحظ على بعضهم الشعور بالألم والمرتبط بحادثة أو موقف تعرضوا له، ما يجعلهم يشعرون بالإحباط وتظهر عليه علامات الغضب والرغبة في الانتقام، وآخرون يمكن أن يميل للانتحار، والابتزاز الإلكتروني مخالف للقيم والأخلاق المجتمعية ويُعد نوعاً من أنواع الاعتداء على الحرية الشخصية وعلى السمعة والشرف والكرامة والسلامة.
7 أخطاء
وتدعو القيادة العامة لشرطة أبوظبي، أولياء الأمور إلى مضاعفة الرقابة على أبنائهم خاصة أوقات الإجازات، لحمايتهم من مخاطر الجرائم الإلكترونية، وتؤكد أهمية توجيههم بالاستخدام الإلكتروني الآمن لأجهزتهم واختيار الألعاب المناسبة لهم، لحمايتهم من مخاطر الابتزاز والإساءة عبر مواقع الإنترنت والتواصل، والألعاب الإلكترونية مثل حالات التنمر والتهديد والتحرش واستدراج الصغار لمشاركة صورهم وبياناتهم وتوريطهم في أنشطة غير أخلاقية.
وتؤكد أن هناك 7 أخطاء تؤدي إلى وقوع مرتكبيها في جرائم الابتزاز وهي: «ضعف الوازع الديني، والانجراف خلف علاقات وهمية، وارتياد المواقع الإلكترونية المشبوهة، والفراغ العاطفي، والإهمال في التنشئة الاجتماعية، وإدمان تصفح مواقع التواصل، وعدم مراقبة الآباء لأبنائهم ورعايتهم».
وتحذر من مخاطر الابتزاز داعية إلى عدم قبول طلبات الصداقة من غرباء، وعدم نشر الصور ومقاطع الفيديو الخاصة على مواقع التواصل أو إرسالها إلى مجهولين والحذر من مواقع وتطبيقات التعارف فغالباً ما تكون بداية لاصطياد الضحايا.
وتشير إلى أن الابتزاز الإلكتروني يقوم على تهديد الضحية بنشر صور أو مواد فيلمية أو تسريب معلومات سرية، مقابل مبالغ مالية، أو استغلال الضحية للقيام بأعمال غير مشروعة لمصلحة المبتزّين، كما تنفذ هذه الجرائم بطرائق عدة، من أبرزها استدراج الأشخاص عن طريق إنشاء حسابات نسائية وهمية على مواقع التواصل، هدفها في الظاهر التعارف وفي الباطن الابتزاز، وعند التعارف يفتح بثّاً مباشراً بالكاميرا وتصوير الضحية في وضع مخل بالآداب.
وتحذر من شراء الألعاب الإلكترونية من المواقع الوهمية وغير الموثوقة التي قد تستدرج العملاء إلى عمليات نصب بسرقة أموالهم عبر بطاقاتهم المصرفية أو حساباتهم البنكية.
وتوضح أن طرائق الوقاية من الابتزاز، عدم الرضوخ للابتزاز والاستجابة لطلبات الابتزاز وعدم إرسال أي مبالغ مالية تحت أي تهديد مباشر والإبلاغ عن محاولات الابتزاز، عبر خدمة «أمان» وهي قناة اتصال أمنية تستقبل المعلومات «الأمنية والمجتمعية والمرورية» وتعمل على مدار الساعة وتتيح لأفراد المجتمع الإسهام بدورهم في منع وقوع الجرائم قبل حدوثها بسرية تامة عن طريق قنوات التواصل المتاحة، كالرقم المجاني 8002626 (AMAN2626) أو بوساطة الرسائل النصية (2828) أو البريد الإلكتروني ([email protected]) أو التطبيق الذكي للقيادة العامة لشرطة أبوظبي.
عقوبات وغرامات
يقول المحامي والمستشار القانوني عثمان الحسيني: إن الابتزاز الإلكتروني من الجرائم التي تطال الرجال والنساء والأطفال على السواء، ويهدف الجناة به إلى الحصول على المال أو الجنس، وتنص المادة (42) من المرسوم بقانون اتحادي رقم (34) لسنة 2021 في شأن مكافحة الشائعات والجرائم الإلكترونية، على أنه يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين والغرامة التي لا تقل عن (250.000) درهم ولا تزيد على (500.000) درهم، أو بإحداهما، كل من ابتزّ أو هدّد آخر لحمله على القيام بفعل أو الامتناع عنه، باستخدام شبكة معلوماتية أو إحدى وسائل تقنية المعلومات.
وتشدد العقوبة إلى السجن مدة لا تزيد على عشر سنوات إذا كان التهديد بارتكاب جريمة أو بإسناد أمور خادشة للشرف أو الاعتبار، وكان ذلك مصحوباً بطلب صريح أو ضمني للقيام بعمل أو الامتناع عنه.
ويدعو الأفراد من مستخدمي مواقع التواصل إلى الحذر وتجنب كل ما يعرضهم للابتزاز الإلكتروني وخاصة من قبل أفراد أو عصابات خارج الدولة، وعدم إفشاء أسرارهم الشخصية، وعدم إرسال الصور أو المقاطع الخاصة بهم للغرباء، وحجب المواقع المزيفة والمصنعة من أجل الابتزاز الإلكتروني.
جريمة مقلقة
يضيف المحامي والمستشار القانوني، سالم سعيد الحيقي، أن الابتزاز الإلكتروني أصبح جريمة مقلقة تزداد انتشاراً مع تزايد استخدام وسائل التقنية الحديثة وشبكات المعلومات، حتى أصبحت من القضايا التي تشغل اهتمام الباحثين والمتخصصين في دراسة هذه الظاهرة الخطيرة.
ويؤكد أن جريمة الابتزاز الإلكتروني تحدث عندما يقع الشخص ضحية لشخص أو مجموعة من الأفراد المنحرفين الذين لا يترددون في استخدام جميع الوسائل للإيقاع به وابتزازه، بهدف الحصول على المال مقابل التزام الصمت وعدم فضحه أو نشر أسرار وخصوصيات تمسّ حياته الشخصية، ويشدد على أن الابتزاز يجب أن يُؤخذ دائماً على محمل الجد، فهو جريمة بكل المقاييس، حيث يكون المبتزّ مستعداً لكسر القانون لتنفيذ مخططه والقيام بالابتزاز مراراً مع الضحايا الآخرين.
ويضيف إنه من المهم في هذا السياق أن يكون لدى الشخص وعي كامل بالطرائق التي يجب اتباعها لتجنب الوقوع في براثن المجرمين، ويجب على الضحية أن يتعلم كيفية التعامل مع الابتزاز الإلكتروني لتفادي الكارثة والحد من آثاره السلبية، محدداً نقاطاً عدة وهي: توخي الحذر عند نشر الصور الشخصية وعدم مشاركة المعلومات الشخصية، والإلمام بأنواع الابتزاز الرقمي وتحسين المعرفة بأفضل ممارسات الأمان الرقمي، واستخدام برامج الحماية لمكافحة الفيروسات وأدوات الكشف عن التهديدات، والحفاظ على الهدوء وعدم الاندفاع عند تلقي تهديدات ورسالة ابتزاز.
إجراءات الحماية
وحدد المحامي سالم الحيقي 7 إجراءات يجب اتباعها فوراً في حال تعرض الفرد للابتزاز الإلكتروني عبر وسائل التواصل الاجتماعي «واتساب، فيس بوك، سناب شات» وغيرها، وهي: «تمويه المجرم عبر إخفاء أي معلومات قد تفيده، وعدم الاستجابة لأي طلبات أو رغبات للمبتز، والتوقف عن تزويده بمعلومات جديدة، والتعامل بهدوء وصبر، وعدم أخباره بالبحث عن حلول لمواجهة الابتزاز، وإغلاق أو تقييد الوصول للحسابات الشخصية، التبليغ وطلب المساعدة من الجهات المختصة».
ويضيف «هناك استراتيجيات فعالة لمواجهة الابتزاز الإلكتروني والقضاء عليه وتشمل التوعية والتثقيف، والتعاون بين المؤسسات والشركات لتبادل المعلومات والخبرات في مجال القضاء على جرائم الابتزاز الإلكتروني، ويمكن تشكيل شراكات بين القطاع العام والخاص والمنظمات غير الربحية لتعزيز الجهود، ويجب على المؤسسات تعزيز إجراءات الأمان الرقمي لحماية البيانات الحساسة وتقليل فرص الاختراق والابتزاز».
زيادة الجرائم
يقول المحامي إبراهيم الحمادي: إن السنوات الأخيرة شهدت زيادة ملحوظة في عدد الجرائم الإلكترونية، حيث وثَّقت وزارة الداخلية الكثير من الحالات التي تستهدف ضحايا، خاصة الفتيات والنساء، بهدف ابتزازهنّ مقابل المال أو لأغراض أخرى، ويعود ذلك إلى الانتشار الواسع لاستخدام الوسائل الإلكترونية الحديثة ومواقع التواصل، حيث أصبح المستخدمون يتبادلون المعلومات الشخصية والصور والفيديوهات باستمرار، وقد يسرق أحد الأشخاص هذه المعلومات، من دون علم صاحبها، ثم يستغلها المجرم لتهديد الضحية بنشرها أو استخدامها ضدها بهدف الحصول على أموال أو مصالح شخصية، أو حتى للقيام بأعمال غير قانونية.
ويؤكد أن خطورة جرائم الابتزاز تكمن في تهديدها للسلامة الفردية والجماعية، إذ إنها تسهم في نشر الفوضى في المجتمع، وهذه الجرائم تكون أكثر خطورة في مجتمعاتنا التي تتميز بالقيم الأخلاقية والدينية.
ويضيف: إن مواقع التواصل لم تعد خالية من المخاطر، حيث تخترق بعض العصابات أو الأفراد المجرمين الحسابات على منصات مثل «فيسبوك» و«إنستغرام»، و«سناب شات» وغيرها وكذلك الهواتف الذكية، للاستيلاء على صور ومقاطع فيديو غير لائقة لاستخدامها في الابتزاز، وهذه التصرفات تترك الضحايا في حال من الخوف والقلق من انتشار معلوماتهم الشخصية، وتسهم في زيادة حالات الاكتئاب والانتحار.
المراهقون والشباب
ويشير إلى أنه غالباً ما يكون المبتزون من المراهقين والشباب.
ويتابع «للحماية من الابتزاز عبر مواقع التواصل الاجتماعي، يجب الحذر عند مشاركة أي محتوى، والحذر في التعامل مع الغرباء، وحماية البيانات الشخصية، وفي حال التعرض للابتزاز، يجب اتباع هذه الخطوات: قطع جميع وسائل الاتصال مع الجاني وعدم الدخول في مفاوضات، عدم حذف المحتوى الذي أرسله الجاني حتى يكون دليلاً على المجرم، تبليغ السلطات المختصة عن أي حالات ابتزاز حتى تتخذ الإجراءات اللازمة لوقف هذه الأعمال غير القانونية، والتحلي بالصبر حتى تتمكن السلطات من القبض على المجرم».
جرائم جديدة
يقول المحامي حسن الريامي: نتيجة التطور السريع في عالم المعلوماتية، نشأت أنواع جديدة من الجرائم الإلكترونية التي لم تكن لتظهر لولا ظهور الإنترنت وما وفرته من وسائل متعددة ومتطورة لمواقع التواصل، التي تزايدت بشكل كبير نتيجة للتطورات المتلاحقة في العصر الحديث، وقد اتخذت هذه الجرائم أشكالاً متنوعة حتى أصبحت تطرح إشكاليات وتحديات خطرة اجتماعية واقتصادية، فضلاً عن القضايا القانونية المرتبطة بها.
تعزيز المهارات
تقول الدكتورة أمينة الماجد، مستشارة أسرية، وخبيرة تربوية: إن الآونة الأخيرة شهدت تعرض الكثير من الأسر لجرائم الابتزاز الإلكتروني وتهديد خصوصيتهم وسرقة حساباتهم الشخصية على مواقع التواصل، وعمليات النصب في البيع والشراء عبر الإنترنت، ما يتطلب ضرورة تعزيز الوعي بأهمية استخدام التكنولوجيا ومواقع التواصل، بطرائق آمنة لتفادي التعرض لمثل تلك الجرائم.
ودعت الآباء والأمهات إلى ضرورة تعزيز مهاراتهم في استخدام التكنولوجيا وتعليم أطفالهم بطريقة سليمة وحديثة ثقافة الاستخدام الأمثل للإنترنت.
0 تعليق