الاستعلام الإلكتروني بين القانون والحرج الاجتماعي! - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في الوقت الذي جاء القانون رقم 20 لسنة 2014، بهدف تنظيم خصوصية الأفراد وعدم السماح للغير بالاطلاع عليها أو نشرها، تسبب التشريع، الذي أكمل على تنفيذه 10 سنوات، في تقديم العديد من المشرفين ورؤساء الأقسام والموظفين إلى المحاكم الجزائية، بعدما ثبت دخولهم على ملفات العديد من المواطنين الإلكترونية، بهدف الاستعلام عن بعض المعلومات المتصلة لدى تلك الوزارات.

وبينما كانت الغاية من وراء القانون وضع حد لوقف انتهاك خصوصيات الأفراد نتيجة الكشف عنها من بعض الموظفين إزاء مصالح يرغبون في تحقيقها للغير لدواع اجتماعية أو مادية، كالسؤال عن سلوك المتقدم للزواج، وهل لديه قضايا مشينة، أو لإثبات سلوك مستأجر وهل عليه من أحكام تهرب من سداد الإيجارات، أو لإثبات سلوك مشين بحق أحد أطراف العلاقة الزوجية لاستخدامه في محاكم الأسرة، كارتكاب جرائم أو تكرار حالات السفر!

منازعات أسرية تسببت في إحالة موظفين بتهم تزويد أحد أطراف العلاقة الزوجية بأحكام مشينة

وفي وزارة العدل، يقدم العديد من المديرين ورؤساء الأقسام إلى المحاكم الجزائية بتهم الاطلاع على خصوصيات المتقاضين، نظير ممارستهم أعمالهم الاعتيادية في الاستعلام لبعض القضايا التي تفرضها طبيعة عملهم.

ويعود السبب في تقديم المسؤولين إلى صعوبة التعامل مع أحكام القانون التي ساهمت في تقديمهم للمحاكمات وقبلها إلى التحقيقات الجزائية والعرض على أقسام البحث والتحري الجنائي التابعة لوزارة الداخلية لمجرد ثبوت دخولهم على المعلومات والبيانات لعدد من المتقاضين، حتى ولو لم يقوموا بتزويد الغير بأي معلومات تخص تلك البيانات.

المحاكم الجزائية

ومن الأحداث التي تشهدها المحاكم تقديم أحد الموظفين إلى المحاكم الجزائية لمجرد دخوله على بيانات القضية التي يتعين عليه إدخال بيانات القضايا بها، وآخر يتولى رئاسة القسم لمجرد الدخول أيضا على بياناتها، والسبب في تقديم الموظف ورئيس القسم هو حصول أحد أطراف العلاقة الزوجية على أحكام تثبت سلوكا مشينا على الآخر، فيحصل بتلك البيانات الورقية على حكم لمصلحته، فيقوم الطرف المتضرر من الحكم بالتقدم بشكوى إلى الوزارة على موظفين انتهكوا خصوصية بياناته، فأثبت قطاع المعلومات دخول الموظف المشرف على القضية ورئيس القسم على البيانات، ثم تم تقديمها إلى المحاكمة الجزائية رغم عدم ثبوت اتصالهما بالخصم أو علاقتهما به، وبات الاثنان في مواجهة مع أطراف القضية الأسرية!

القانون يعاقب كل موظف اطلع بغير ترخيص أو إذن على بيانات الأشخاص مهما كانت دوافعه

شكاوى ضد موظفين

ليست تلك المشاهد وحدها التي تعج في ساحات المحاكم وقاعاتها، والتي تواجه الموظفين، فقد نجح العديد من المتقاضين في تقديم شكاوى جزائية ضد موظفين لمجرد أنهم استعلموا عن بياناتهم رغم طلبهم بالاستعلام بدواعي «المعرفة والفزعة»، لأن هناك من يتقدم للزواج أو من يرغب في التأكد من وجود منع سفر صادر بحقه، أو التأكد عن شخص موجود أو مغادر في البلاد.

وما إن يدب الخلاف بين المتقاضي والموظف المستعلم لأسباب أسرية أو مالية أو اجتماعية يسارع المتقاضي لتصفية حساباته مع الموظف المستعلم عبر تقديم شكاوى ضده إلى الوزارة، والحصول على إفادة بذلك، واللجوء إلى النيابة لتقديم شكاوى ضد الموظف.

والمحاكم بدورها أصدرت العديد من الأحكام بمعاقبة الموظفين بغرامات مالية تصل إلى خمسة آلاف دينار، نتيجة دخولهم بغير تصريح، ومن دون الحصول على إذن مكتوب، للاستعلام عن بيانات مواطن أو متقاض، مما لحق بالأخير من ضرر بانتهاك خصوصيته وبياناته الرسمية.

بيانات الشاكي

ويواجه الموظفون أمام المحاكم معركة في إثبات سلامة دخولهم إلى بيانات الشاكي، والاطلاع عليها لدواعي العمل وبصلاحية القانون والقرارات الداخلية التي تسمح لهم بالاستعلام نتيجة ما يتطلبه واقع المحاكم من تداخل بعض القضايا ببعض أو استشهاد أطراف القضايا بقضايا أخرى، فيتطلب الأمر الدخول إلى القضايا الأخرى، أو في إدخال الموظف بيانات خاطئة لأرقام القضايا فيؤدي إلى دخولهم على قضايا أخرى، أو أن الشاكي هو من طلب الاستعلام من الموظف ولديه من الخلافات وراء تقديم الشكوى.



«الحرج الاجتماعي» لا يعفي من المسؤولية

مهما بلغت لغة التبرير والدفاع التي يتمسك بها الموظفون، فإن الاستعلام وفق القانون يجعل منهم عرضة للمواجهة القضائية مع أطراف في المحاكم، لمجرد أنهم مارسوا أعمالهم على أكمل وجه، أو أن «حرجهم الاجتماعي وفزعتهم» تسبب في ملاحقتهم، وفتح عليهم بابا كبيرا من الاتهامات الجزائية والمطالبات بالتعويض، وربما محاسبة إدارية كانوا في غنى عنها وأصبحوا بين مطرقة القانون وسندان الحرج الاجتماعي!

وإزاء ما كشف عنه الواقع العملي من اتساع نطاق أحكام القانون، فإن الأمر يستدعي المراجعة القانونية للعيوب والمثالب التي كشف عنها واقع التطبيق، ومنها ما يعرض الموظفين لخطر الإحالة للتحقيق والمحاكمة لمجرد أنهم مارسوا عملهم الوظيفي كأمناء سر الجلسات أو رؤساء أقسام أو المشرفين أو الموظفين العاديين طالما ثبت حسن نواياهم وعدم وقوع خطأ مباشر منهم تسبب في أضرار للغير حتى لا يكون الموظفون عرضة لأي تصفيات داخلية في أجهزة العمل أو لتصفيات أسرية تشهدها ساحات محاكم الأسرة أو أن يكون الحلقة الأضعف في حل أي خلاف مالي أو اجتماعي نتيجة التزامهم بالتقاليد الاجتماعية.

ورغم «الحرج الاجتماعي»، الذي يسببه القانون للموظفين والمسؤولين من عدم تزويد طالبي البيانات، لكنه أهون بكثير من الكلفة التي سيدفعها الموظف في «جرجرته» إلى المحاكم، وتعريضه لخطر إصدار الأحكام المغلظة عليه ونشرها في الصحف، فضلا عن إصدار أحكام التعويض بحقه والتي تصل إلى آلاف الدنانير.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق