تحقيق: ميثا الآنسي
تعد مهنة التعليم من الركائز الأساسية لتقدم المجتمعات، حيث يؤدي المعلم دوراً حيوياً في تشكيل عقول الأجيال القادمة، ومع ذلك هناك ظاهرة مثيرة للدهشة، تتمثل في تدريس معلمين لمواد دراسية خارج نطاق تخصصاتهم، وتعيين آخرين بشهادات بعيدة عن التخصص التعليمي وغير حاصلين على شهادات تدريس، ومع ازدياد المخاوف لدى بعض أولياء الأمور، ألقت «الخليج»، الضوء على هذه الظاهرة، وطرحت على الخبراء والمختصين تساؤلات عديدة حول تأثيرها في مستويات التحصيل الدراسي عند الطلبة، كما استطلعت تجارب لمعلمات اقتحمن مجال التدريس على الرغم من حصولهن على شهادات علمية بعيدة عن هذا المجال.
تلجأ إدارات بعض المدارس إلى توظيف معلمين لتدريس مواد ليست ضمن تخصصاتهم، أو مدرسين حاصلين على شهادات بعيدة عن المجال التربوي، ويعود ذلك إلى أسباب عديدة منها وجود نقص في إعداد المعلمين خلال العام الدراسي، إضافة إلى صعوبة التعاقد مع مدرسين جدد.
سياسة التعيينات
قال صابر عبد الستار أبوالمجد، رئيس الموارد البشرية في إحدى المدارس الخاصة، إنه عند توظيف مدرسين غير حاصلين على شهادات تدريس، نحرص على الحصول على رخصة المعلم أو مؤهل تربوي، وخبرة سنتين في مجال التدريس طبقاً لسياسة التعيينات ومن المهم أن تكون الدرجة العلمية جيدة، وإتقان اللغة والتقنيات الحديثة، وبعد ذلك المهارات الشخصية التي تتوافق مع معيار القبول.
وأكد أن المدرسة توفر تدريباً أسبوعياً نهاية لمده تتراوح بين ساعة أو ساعتين لكافة المعلمين وهي برامج تدريب مكثفة تهدف إلى تدريب المعلمين على التقنيات التعليمية وأساسيات التدريس، كما تساعد على تطوير المهارات الشخصية مع الإرشاد المستمر، وهناك جلسات تقييم لدراسة ملاحظات الصف التي يهتمون بها بشكل مكثف.
وأشار إلى أن هناك تحديات تتم مواجهتها عند التوظيف وهي الافتقار إلى الخبرة العملية التي يحتاج إليها أي معلم، وقصور المعرفة التربوية التي من شأنها أن تسهل كيفية التعامل مع الطلبة، لكن مع برامج التدريب والتطوير المهني والتقييم المستمر تم التعامل مع هذه التحديات.
وذكر أن هناك بعض المخاوف لدى أولياء الأمور بشأن توظيف معلمين غير مؤهلين، لكن المدرسة تحرص على التواصل المباشر معهم وتنظيم اجتماعات دورية لعرض نماذج من أعمال المعلمين والقيام باستبيانات لتقييم الأداء.
وأضاف أبوالمجد، أن تكليف مدرسين بتدريس مواد خارج تخصصاتهم لظروف معينة يسهم في تنوع خبراتهم، والحاجة إلى التوظيف في حال عدم وجود معلم أكاديمي لأسباب عديدة، ويتم اللجوء إلى ذلك حتى لا يُترك الطلاب من دون معلم حرصاً على مصلحتهم، في الوقت ذاته هناك جوانب سلبية، منها أن بعض المدارس تواجه افتقار المعلم للمعرفة النظرية والتربوية، والصعوبة في بعض الأحيان في التطوير المهني والعملي، وشكوك حول كفاءة المعلمين من أولياء الأمور.
الخبرة التعليمية
قالت عفاف محمد الصغير، رئيسة قسم الشؤون الموظفين بإحدى المدارس الخاصة، ترتبط عملية التوظيف في المدارس وقطاع التعليم بسياسة التوظيف والمؤهلات الصادرة من قطاعات التعليم، والتي تلبي جميع احتياجات المدارس بشكل كلي وتغطي جميع الجوانب من مؤهلات مطلوبة ويعد المؤهل التربوي ورخصة المعلم أحد أبرز شروط التوظيف، إضافة إلى إتقان اللغة الإنجليزية بكفاءة والحصول على ايلتس بدرجة 7.5 لمعلمين اللغة الإنجليزية، ويعد وجود الخبرة في المجال التعليمي داخل الدولة أحد أبرز المميزات التي نبحث عنها.
وأضافت أن المعلم الجديد يخضع لرحلة من التعليم والتدريب داخل المدرسة فور انضمامه حتى يكون مؤهلاً بشكل كافٍ لدخول الحصص، وعادة يكون الأسبوعين الأوليين من عمله هي فترة تدريب فردية من قبل رئيس القسم من خلال حضور حصص نموذجية، وتوجيه المعلم إلى أساسية الحصة الصفية وإرشاده لكيفية التعامل مع الطلاب، ويكون التدريب مكثف جداً لتأهيل المعلم الجديد ليستلم الصف، كما يخضع المعلمون بشكل عام إلى التدريب خلال العام الدراسي ويستوفي كل معلم 30 ساعة تدريب بمعدل 10 ساعات في كل فصل دراسي توزع بين تدريب جماعي وفردي حسب احتياجات المعلمين والأقسام.
وذكرت أنه من الشروط الأساسية للتوظيف وجود شهادات جامعية ومؤهلات مطابقة لسياسة التوظيف والمؤهلات الصادرة من دائرة التعليم والمعرفة، ويجتاز المرشح عدة اختبارات تتمحور حول عملية التعليم بداية من المقابلة الشخصية، ثم حصة مشاهدة واقعية وصولاً إلى التقييم العام للمرشح وجاهزيته للتعلم والعمل في البيئة المدرسية.
وأكدت أن المعلمين غير الحاصلين على شهادات خبرة داخل الدولة، يخضعون إلى تدريب مكثف للوصول معهم إلى أفضل الممارسات التعليمية ليكون هناك اتساق في العملية التعليمية بين جميع المعلمين وفي جميع المراحل، ويكون عادة رئيس القسم والمطور الأكاديمي هما من يتوليان مهمة التدريب والمتابعة ووضع خطة علاجية لتحسين أداء المعلم في حال عدم قدرته على التطور بشكل سريع في أدائه مع الطلاب.
مخاوف
أكدت عفاف الصغير، أن ولي الأمر يعد شريك المدرسة في عملية التعليم ونقدر مخاوفه دائماً، لذلك نحرص على تدريب المعلم الجديد لمدة تزيد على أسبوعين بشكل مكثف ليكون جاهزاً للعمل داخل البيئة الصفية، ودائماً نحرص على التواصل الفعال مع ولي الأمر، ليكون المرآة التي تعكس أداء المعلم في الصف.
وأضافت أن المتابعة المستمرة للمعلمين الجدد تعد أساسية خلال الفترة الأولى، وقد تصل هذه الفترة إلى 6 أشهر حسب إمكانيات كل معلم، حيث يتم العمل على توجيه المعلمين، وتدريبهم حول استراتيجيات التعلم الحديث وتتطور مهاراتهم باستعمال التقنيات الحديثة، كما يتم توجههم للاطلاع على أفضل الممارسات الموجودة في المدرسة أو في الميدان التعليمي بشكل عام.
برامج تدريبية:
قالت شيماء عزت عبد العال، مرشد مهني وأكاديمي وجامعي بمدرسة خاصة، إن المدرسة توفر برامج تدريبية مهنية للمدرسين الجدد بحد أقصى 25 ساعة تدريب طول العام الدراسية، إضافة إلى المنصات الذكية العملية للتعليم، وذلك من خلال تنظيم برنامج مهني بداية مع كل فصل دراسي، ويحتوي هذا البرنامج على أهم الدورات التدريبية المهمة في عملية التدريسية، أولها التخطيط الدراسي وطرق التعلم وتنوع الاستراتيجيات وطرق التقييم ومن أهم الأشياء التي تركز عليها المدرسة هي مراعاة الفروق الفردية لدى الطلبة ورابط التعلم بالتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.
وأكدت أنه يتم تقييم كفاءة المعلمين الجدد قبل مباشرة العمل بالمقابلات الشخصية، حيث تتم عملية التقييم من خلال لجنة رباعية تقوم بتقييم الجوانب الأكاديمية والتربوية، وتطرح العديد من الأسئلة لمعرفة مدى قياس وتوافق الإجابات الصحيح لديهم، وتظهر هذه المقابلة ثقة المدرس بنفسه والقدرة المعرفية للمادة التعليمية له والإدارة التربوية الجيدة.
سبب الاختيار:
وفي لقاء مع عدد من المدرسات الحاصلات على تخصصات مختلفة ويعملن في مجال التدريس، أكدن أن الانخراط في هذا المجال دفعهن للحصول على مؤهل تربوي، وقالت طيف إبراهيم، معلمة للمرحلة الابتدائية، حاصلة على شهادة الهندسة الصناعية، إن سبب اختيارها للمجال الأكاديمي، هو عدم توفر فرص العمل، حيث إن المعايير للفرص لم تتوافق مع اختياراتها في الحياة، وأيضاً لم تتناسب معها ساعات العمل، والمرتب الشهري، وسنوات الخبرة لذا مجال التدريس كان الأنسب لها.
وأضافت أنها واجهت تحديين رئيسيين، وهما إدارة الوقت وإدارة الفصل، بالعادة تكون الحصة الواحدة 45 دقيقة، لذلك يجب عليها الالتزام بأهداف الدرس وتحقيق المُراد، وثانياً إدارة الفصل، حيث إن جعل 25-30 طالباً مهتماً بالدرس، والتأكد من وصول المعلومة إلى الجميع على الرغم من مستوياتهم كان أمراً جللاً، لكن بفضل إدارة المدرسة، ومساندة المعلمات تمكنت من تحقيق أساليب إنجاز المطلوب.
وأشارت إلى أن التكيف مع متطلبات العمل على الرغم من اختلاف التخصص لا يمنع الفرد من النجاح والإنجاز، بل يكسب الكثير من المهارات والخبرات، ومنها مهارة التواصل والقيادة، والبحث عن طرق للتفاعل، وكيفية تطوير الدروس وإضافة لمسات تعكس هويتها، وحل المشاكل بسرعة.
وقالت: «أثق بأن كل ما اكتسبته من مهارات وخبرات سيخدم محطة توقفي القادمة، وإنجازي المهني يعتمد علي بصفتي فرداً لا على تخصصي، فالجهد المبذول لاكتساب المهارات المطلوبة سعي لتحقيق أهدافي».
وقالت العنود عبدالله الشكيلي، معلمة في مدرسة خاصة أنها ما زالت تواجه صعوبات اتجاه المصطلحات الدراسية التي لا تميزها في البيئة المدرسية وأيضاً صعوبة في التكييف على بيئة العمل الكبيرة بطاقم تدريس متخصص، لكن تم التعامل مع هذه الصعوبات من خلال مساعدة الزملاء المعلمين والمتخصصين.
وأشارت إلى أنها اكتسبت مهارات جديدة ساعدتها على تحسين أدائها خلال التدريس وخارج العمل، ومنها أن لدى كل طالب روتين يومي يجب الإشراف عليه وتقديم المساعدة، لذلك هذا الروتين أكسبها مهارة الإصرار مع الطلبة، ومهارة التخطيط التي تهيئ ذهن الطلاب لتحقيق الهدف المطلوب.
المجال الأنسب
أوضحت فاطمة محمد عطا، معلمة في مدرسة خاصة، تحمل شهادة الهندسة الميكانيكية وتقوم بتدريس مادة الحاسب الآلي، اختارت المجال التعليمي بسبب تأخرها 10 سنوات من دون عمل وخبرات، وأن هذا المجال كان الأنسب لها بصفتها أماً عاملة ذات مسؤوليات، كما قامت بأخذ دبلوم الدراسات العليا في التدريس الذي جعلها أكثر خبرة ومعرفة.
مهارات جديدة
قالت العنود عبدالله الشكيلي، معلمة في مدرسة خاصة، حاملة شهادة التواصل والاتصال الثقافي والسياحي، إن دافعها الرئيسي لاختيار مجال التعليم هو عدم توفر فرص العمل الكبيرة في مجالها لذلك قررت اختيار مهنة التدريس، وهذا ألزمني الدخول في دورات تدريبية تخص التعليم وحضور محاضرات تحسن من أدائها خلال التدريس.
0 تعليق