الشارقة: علاء الدين محمود
الناشر: دار روايات
حاز موضوع الأمركة والعيش على نمط الحياة الأمريكية والغربية في أزمنة العولمة وما بعدها على اهتمام الكثير من الكتاب حول العالم، وبصورة خاصة الذين قدموا من خارج الولايات المتحدة أو الغرب عموماً، حيث الطباع والسمات المختلفة، وتحدي الهوية والأصالة في مواجهة «الأمركة»، وكان نصيب المؤلفين المهاجرين كبيراً في ذلك البذل السردي من حيث تطوير الرؤى الفكرية والجمالية وصياغتها في قالب سردي.
رواية «أمريكانا»، للكاتبة النيجيرية شيماماندا نغوزي أديتشي، الصادرة في نسختها العربية عن دار «روايات» في طبعتها الأولى عام 2020، بترجمة بثينة الإبراهيمي، هي أحد الأعمال السردية التي أبحرت عميقاً في قضية الهوية والانتماء والثقافة المغيرة وكيفية التعيش وفقط نمط مغاير، والعمل، إلى جانب الأبعاد الجمالية، يحتشد بالمعلومات، ويتسم بالقدرة على أن ينفذ إلى حقيقة الظواهر والأشياء عبر منهج تفكيكي يبحث عن ما هو مقصي ومبعد عن الخطاب في محاولة الوصول إلى ما وراء الأفكار، ففي هذه الرواية تقدم المؤلفة تحليلاً عميقاً للمجتمع والثقافة الأمريكية بحكم المعايشة والإقامة في تلك البلاد، وترصد التباين والتناقض بين الثقافة الإفريقية السوداء والأمريكية البيضاء رغم وجود السود فيها، وتتناول المسكوت عنه في الخطاب الأمريكي، وتصل إلى حقيقة أن العنصرية لا تزال موجودة لكنها ترتدي ثوباً جديداً، وتتحدث بلغة مختلفة عن السابق.
في هذه الرواية تطلق الكاتبة العنان لخيالها وبراعتها السردية وتأتي بأشياء وأفكار جديدة، وربما ذلك ما دفع كاتب بحجم النيجيري شينوا أتشيبي إلى الحديث عن المؤلفة بالقول: «ليس من المألوف أن ترافق الحكمة الكُتاب المبتدئين، لكن ها هي ذي كاتبة جديدة تتحلى بموهبة كُتاب القصة المتقدمين في السن، فهي تعرف ماذا تعني المغامرة وكيف تتصرّف حيال هذه المغامرة، حيث إن الكُتاب المترددين وقليلي الخبرة يتحاشون التعقيد بكل ما تعنيه هذه الكلمة، لكن أديتشي تتبنى هذا التعقيد لأن قصتها تحتاج إليه، لقد تجلت لنا موهبتها كاملة لا تشوبها شائبة».
*عقدة
تنطلق الرواية من الإجابة عن أسئلة ملحة تخطر على بال أي شخص لاجئ أو مهاجر قادم إلى الولايات المتحدة من أجل حياة جديدة سبقتها الأحلام والطموحات، والأسئلة تكون على شاكلة ما الذي يعنيه حقاً أن يحاول أحد أن يُصبح «أمريكيّاً»؟ وهذا السؤال لا يوجه قط للذين يحاولون العيش في أمريكا، بل وكذلك الذين عادوا إلى ديارهم من الولايات المتحدة والغرب، فالرواية ترصد كيفية تعامل الناس معهم هناك، لذلك تطرح الكاتبة كذلك سؤال: لماذا توجد هناك مصطلحات ونكات تُطلَق على العائدين من الغرب إلى ديارهم بصفات متغيّرة وأساليب مختلفة تُثير حفيظة أولئك الذين لم يغادروا قط؟. الرواية تركز على ذلك الإنسان المهاجر ما بين البلاد الجديدة التي هاجر إليها ونظرة الناس إليه في وطنه الأم، لذلك يتنقل السرد ما بين هنا وهناك، ما بين أمريكا والغرب وبين نيجيريا.
*حكاية
تحكي الرواية صراع إفيملو وأوبنز، الحبيبين النيجيريّين الجامعيّين اللذين فرّقتهما أحلام الهجرة إلى العالم الجديد متوقّعَين أن يجدا فُرصاً للإبداع والانطلاق والحياة، فيصطدمان بجدران كثيرة تدفعهما إلى الافتراق خمس عشرة سنة يصارعان فيها العالم الذي يتأمْرَك أمامهما من دون أن يرفع أحد صوته، انحرفت إفيملو في أمريكا مرّة، ونظّف أوبنز في لندن الحمامات. لكنهما حين يعودان إلى ديارهما، يُفاجآن بتعامل الناس الراقي لهما كونهما عائدين من العالم الجديد، فيوضعان في طبقة أعلى، ليلتقيا مجدّداً ويبدآ قصة أخرى أشدّ قسوة من الأولى.
*تأمل
الرواية تحمل تأملاً عميقاً في مواقف الناس تجاه العرق، وتفتح مجدداً ملف مواضيع الاغتراب، بالمعنى الفلسفي، وتتحدث عن الهوية والشعور بالخذلان والفقد وحياة العزلة والتيه من خلال تتبع قصة ومسيرة بطلتها الأساسية إفيملو التي كابدت في الحياة ووجدت في هجرتها الكثير من العنت واصطدمت بنمط وثقافة مختلفة في أمريكا عندما قررت الهجرة إلى هناك من أجل إكمال دراستها الجامعية، ويقودها مصيرها إلى التفكير في حياة البيض والسود وذلك التناقض بين الاثنين الذي لم يتغير كثيراً عن الماضي البعيد، حيث تكتشف تعقيدات حياة الأفارقة في تلك البلاد، وتفكر دائماً في حبيبها أوبنز الموجود في لندن، حيث قادته الهجرة هو الآخر إلى هناك، حيث يمارس أعمالاً غير قانونية ليبتعد عن البلاد ويتوجه عائداً نحو نيجيريا.
*عنوان
يشير عنوان الرواية «أمريكانا»، إلى الأمركة وهي واحدة من أبرز الموضوعات في العمل، حيث تعد أمريكا نفسها رمزاً للأمل والثروة والحراك الاجتماعي والاقتصادي لتكون المحصلة هي خيبة الأمل؛ حيث تتعلم بطلة الرواية إفيملو أن الحلم الأمريكي كذبة وأن المزايا التي تتمتع بها هناك غالباً ما تأتي بثمن باهظ، وعلى الرغم من أنها أقبلت على تلك الأمركة بشكل بطيء، حيث تعلمت الالتقاط التدريجي للغة العامية وحاولت التكيف مع محيطها سواء للأفضل أو للأسوأ، فهي بطبيعة الحال قد تغيرت، لم تعد تلك الفتاة القادمة من نيجيريا، فعلى الرغم من المقاومة فإنها خضعت للحياة هناك، واستسلمت لنمط العيش والثقافة السائدة؛ أي تأمركت.
*أساليب ومقاربات
تحشد الكاتبة في الرواية الكثير من الأساليب السردية المبتكرة، وتجري العديد من المقاربات والرؤى حول الحياة ما بين عالمين «الغرب وإفريقيا»، بحيث تضع القارئ في قلب الأحداث، فهي تستعرض نوعية تلك الحوارات التي تجري بين الأفارقة المهاجرين والغربيين والتي تشير إلى المعارف الغزيرة لدى المؤلفة وقدرتها السردية الفائقة، وتعمل الكاتبة على تمرير تلك العوالم الثقيلة والبائسة في الرواية من خلال صياغة العمل في قالب قصة عشق بين محبين اثنين فرقتهما الظروف وظلت أرواحهما معلقة، فالعمل هو رحلة مصير يرمز فيه هذا الحب وتلك العلاقة إلى الشتات والهجرة عن الأوطان الأصلية التي تعتمل فيها الصراعات والمشاكل والظروف الاقتصادية السيئة لتصبح طاردة لأبنائها الذين عليهم خوض مغامرة أن يصبحوا غرباء في ثقافة جديدة مختلفة، لذلك تفرد الرواية مقاطع طويلة في وصف التناقضات بين الأسود والأبيض في سياق الحديث عن العرق.
*صدى
الرواية وجدت صدى كبيراً حول العالم منذ نشرها في أمريكا عام 2013، رغم أنها العمل الثاني للكاتبة، وفازت بعدد من الجوائز منها جائزة دائرة نقاد الكتاب الوطنية، فيما رشحها موقع «جود ريدز»، لنيل لقب أفضل رواية عام 2015، ولقيت اهتماماً واسعاً من قبل النقاد والصحف الأمريكية، حيث وصفتها مجلة «أوبر»، بأنها: «رواية عن المصائر المتقاطعة بسبب الهويّة، وعطش المرء الأبديّ إلى الانتماء»، وبسبب هذه الرواية تحدث الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما عن المؤلفة قائلاً: «إنها إحدى أفضل الكاتبات الصاعدات في نيجيريا».
*اقتباسات
«لم يكن من المفترض أن تحدث العنصرية أبداً».
«السبب الوحيد في قولك: إن العرق ليس مشكلة هو أمنيتك ألا يكون كذلك».
«في بعض الأحيان يريد الناس فقط أن يشعروا بأنهم مسموعون».
«توقف عن قول أنا جامايكي أو أنا غاني. أمريكا لا تهتم».
«كم كان من السهل أن نكذب على الغرباء».
«تغير مظهر العنصرية لكن اللغة لم تتغير».
0 تعليق