الشارقة: عثمان حسن

درج الخطاطون على ابتكار أشكال فنية بصرية باستخدام أنواع مختلفة من الخط العربي، ومن هؤلاء الخطاط المصري محمود السيد علي الذي أبدع لوحة اختار فيها جزءاً من الآية القرآنية «قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَىٰ سَبِيلًا»، حيث اكتفى بالنص القرآني «قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِ» وصممها بالخط الثلث الجلي.
أحسن محمود السيد تنفيذ هذه اللوحة شكلاً ومضموناً، فمن حيث الشكل، فقد جاءت الآية بتصميم مبتكر ومريح للعين، مع اختياره للألوان، خاصة الخلفية البرتقالية والتنويع بين اللونين الأحمر والأسود في خط الكلمات، فكانت كلمة «كل» باللون الأحمر، و«كل يعمل على شاكلته» باللون الأسود.
نشير في البداية إلى اهتمام الخطاطين بالثلث الجلي، الذي وبحسب كثير من النقاد المتخصصين: «وكأنه قد اختزل فن الخط العربي كله» وصار مجالاً للتنافس بين الخطاطين على مستوى التركيب والتلوين، ناهيك عمّا يتيحه هذا الخط من فرص تسمح بتنسيق العبارة المقترحة وتسلسلها على مساحة اللوحة، بما يتيح قراءتها بسهولة من قبل جمهور المشاهدين والمهتمين، والثلث الجلي كما يظهر في معظم تجارب الخطاطين من أنواع الخطوط التي تحقق جملة من الشروط الفنية والبصرية مثل تلك التوازنات المحكمة بين مواضع الحروف وتقاطعاتها والفضاءات البينية، وهذا يوسع دائرة القراءة المتأملة عند المشاهدين، بما يوفره هذا الخط من تكوينات فيها الكثير من الوضوح والانسجام.
من هنا، فإن اختيار محمود السيد لهذا الخط، نابع من معرفته بروعة شكله وما يتسم به من مرونة، وما يحققه من إمكانية للتركيب المتناسق والتشابك المدروس بين حروفه، من دون أن يؤثر ذلك في وضوحها، نظراً لما تتميز به خطوط الثلث الجلي من سماكة، تبدو معها كلماته جَلية متناغمة مع التشكيل والتنقيط الذي يزيد من ترتيب وجمال وإخراج حروفه.
*خيال
ظهرت اللوحة الخطية التي أمامنا في حلة من التناسق البصري الجميل، ويبدو أن الخطاط قد أطلق العنان للخيال في هذه اللوحة الآسرة، ليبدع من خلالها شكلاً -أقل ما يوصف- بالجديد والمبتكر- وذلك لعدة أسباب أولها كما قلنا سابقاً جماليات اللون الذي تم اختياره بعناية، وثانياً، حرفية إخراج الكلمات والحروف على سطح اللوحة، فمثلاً، اختار الخطاط أن يكتب كلمة (قل) بحجم كبير، ليستدرج القارئ أو المتأمل إلى فحوى العبارة القرآنية، فهي بدأت بفعل الأمر، بما يجلبه من انتباه لما بعده من أوامر أو إرشادات، توجه نحو التكليف والإلزام، وبما يحقق شرط الفعل أو دلالة الآية التي تعني ببساطة، أن كلا يتصرف بما تمليه عليه طباعه وما هو ورثه من سمات، وقديماً قيل: «أنت تشاكل أباك في فضله وعلمه» أي تشبه أباك في كل ما كان يعمل ويسعى ويرجو.
من ناحية الشكل أيضاً، فقد اعتنى الخطاط بتنفيذ حرف الكاف في كلمتي (كل) و(شاكلته)، فقد جاء الحرفان متوازيان، لكن الكاف في (كل) ظهرت بحجم صغير، فيما ظهرت كاف (شاكلته) بحرف كبير وظاهر وممتد، وهذا أضاف سمة جمالية شكلية للوحة الخطية.
ومن يتابع تنسيق الحرف في اللوحة، يمكن أن يتحدث أيضا عن تناظر الحروف في الثلث الجلي، وهنا نشير إلى حرف اللام الذي في ثلاث كلمات هي: (قل، كل، يعمل) حيث ظهر تناظر هذه اللامات الثلاث بشكل واضح، مع ملاحظة تلك الفروقات التي أشرنا إليها، وتتعلق بكبر أو صغر الامتدادات أو الاستطالات لكل حرف على حدة.

*تميز
أما المتميز في تصميم هذه اللوحة الخطية لجهة تنسيق الحروف، فهو ما يتعلق بكلمة (قل) التي جاءت بحجم كبير ولافت، وبلون أحمر، وهذا حقق شرطاً استثنائياً في هذه اللوحة، فكانت كلمة (قل) هي الأبرز بين الكلمات، ولعلها قد جذبت المشاهد وبسرعة من خلال شكلها الفريد إلى معنى ودلالة الآية، كما كانت لام كلمة (قل) حاضنة لبقية كلمات الآية، وهذا أضاف بعداً جمالياً وبصرياً ملحوظاً في المنظور العام للوحة.
هذا، بعض مما يمكن ملاحظته في هذه اللوحة الخطية، التي زادتها فرادة اختيار اللون مزيداً من المتعة البصرية، فاللون البرتقالي الذي غطى خلفية اللوحة، بما فيه من سطوع وحيوية، حقق المتعة للمشاهد، وبعث في نفسه قدراً من الحيوية والإيجابية والتفاؤل، أما اللون الأسود الذي كتبت به الآية فمعروف دلالاته الروحية والدينية لدى الخطاطين، ومحمود السيد هنا، يمنحه ألقاً استثنائياً عدا عن تعبيره عن قوة الحرف، فهو لون يمثل الحياء والروحانية والتواضع.
*ضوء
الخطاط محمود السيد علي من مواليد مدينة الإسكندرية عام 1987، يعمل حالياً مشرفاً فنياً في أكاديمية «محراب»، لفن الخط العربي في الإسكندرية، شارك في العديد من المعارض والمسابقات بمصر والمغرب والكويت والإمارات وتركيا، له مقتنيات فنية في مصر والسعودية وتركيا. وقد حاز عدة جوائز بينها جائزة مسابقة نقابة الأشراف بمصر 2015، وجائزة في مسابقة ملتقى القاهرة الدولي لفن الخط العربي 2020.