عروض من العراق وتونس ومصر تطرح قضايا مؤرقة - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

مسقط: محمد إسماعيل زاهر

تنتهي مسرحية «سيرك» للمخرج العراقي جواد الأسدي، والتي عرضت في مهرجان المسرح العربي في مسقط، بالبطلة كاميلا وهي تصرخ «أما من أحد ينقذني»، تلخص الصرخة ليس أحوال كاميلا وحسب، ولكن أوضاع كل من يعيشون في مدن خربة محتلة، اعتراها الدمار وتحكمت الأزمات في أرواح سكانها ورؤيتهم للعالم وتعاملهم معه، هم في حالة توتر دائم وحزن مستمر وأسئلة سيالة مؤرقة لا إجابات شافية لها.
تنفتح ستارة العرض على ديكور شديد التقشف، لا يوجد أمام المشاهد إلا أعمدة سوداء مهترئة في الجانبين، وأشجار يابسة في الخلفية، وطاولة قديمة يجلس على طرفيها شخصان، ونعلم بعد قليل أن الأول مسرحي صاحب السيرك، مات والده قهراً بسبب الاحتلال وتشرد أخوته، والآخر روائي، وتبدأ بينهما حوارات تتحول إلى بوح ونقد للأوضاع وانعكاساتها عليهما، وهنا يتورط المشاهد في مفهوم السيرك والديكور المتقشف الذي أمامه، ما الذي يريده الأسدي من خلال تلك الرموز، وتتكشف الإجابة رويداً رويداً من خلال تصاعد الأحداث.

نحن في حضرة سيرك خرب، وصاحب السيرك يقول: «أطفأت المسارح مصابيحها، والممثلون مجموعة من الجثث»، ثم يصرخ مطالباً بعودة كاميلا، أما الروائي فيتحدث في الهاتف إلى صحفي حول روايته الجديدة، ونتعرف بعد قليل إلى رغبة المسرحي في إعادة افتتاح السيرك، وينتقد الروائي ويصفه بالتفاهة والسطحية، وبعد قليل تدخل كاميلا ونعرف أنها زوجة صاحب السيرك، وأنها اعتقلت وعذبت في سجون الاحتلال، وعلى هامش الأحداث هناك كلب، ويبدو أنه كان البطل الأول في عروض السيرك، حتى قرر أحد ضباط الاحتلال تكريمه بقلادة ذهبية، ولكن الكلب نبح في وجه الضابط بصوت عالٍ فما كان منه إلا أن ضربه بعنف، ونعرف من خلال الأحاديث العلاقة المتوترة بين صاحب السيرك وزوجته كاميلا، وعشقها للحيوانات الأليفة، واهتمامها المبالغ فيه بالكلب، ما يثير مشاعر الغيرة في نفس الزوج، وفي لحظة جنون يقتل الكلب، فتصاب كاميلا بالذعر والهلع، وتظل تبكي وتولول وتقول لزوجها: «ليتك قتلتني ولم تقتل الكلب»، وتقترب أكثر من الروائي، والذي يخبرها أنهم أصابوا أصابعه بعاهة دائمة حتى لا يواصل الكتابة، وعندما تتودد إليه يخبرها أنه فقد شغفه بالحب والنساء وكل شيء، وتتصاعد الأحداث والجمل والعبارات الدرامية التي تصور المأساة من وجوهها كافة، ولا يبقى أمام كاميلا إلا أن تطالب الروائي بالهجرة، فيقول لها: «فات الوقت..الموت هنا أجمل».
جاء العرض بمذاق سوداوي، فالشخصيات مهزوزة ومضطربة، وهناك سيرك مدمر، بكل دلالاته وما يرمز إليه من عالم اختلت فيه كل القيم والموازين، ولم يعد فيه مكاناً للحب أو الفعل أو الأمل.
نجح الأسدي في استغلال عناصر العرض المختلفة لكي يصل بفكرته، فالتقشف في الديكور يخبرنا أن الاحتلال لا ينتج إلا الدمار والخراب في كل مكان، وهو خراب يصل حتى إلى الحيوانات، والألوان السوداء لمجمل فضاء الخشبة تعكس نفوساً مظلمة، لا يلوح في واقعها أي إشراقة، ولا يبقى أمام البشر في مثل تلك الأوضاع إلا ترديد صرخة كاميلا: «أما من أحد ينقذني».
كفاح
ومن العراق إلى تونس، حيث كان جمهور المهرجان على موعد مع عرض «هاجة-بوابة 52» من إخراج دليلة مفتاحي، وتتشابه فكرته أيضاً مع أطروحة الأسدي، فنحن أمام مجموعة من المناضلات اللواتي كافحن الاستعمار الفرنسي لتونس، وتغيرت حياتهن بعد الاستقلال فقررن هجرة وطنهن.
يبدأ العرض بأربع نسوة بملابس بيضاء تماماً، ويحملن حقائبهن، ويدخلن من بوابة تشبه بوابة المطار، وفي أثناء ذلك ينفضن ما يشبه الغبار عن ملابسهن، وكأنهن ينفضن الغبار عن التاريخ وعن الذاكرة التي أصيبت بالنسيان، ونسمع في الخلفية صوت يعلن بين فترة وأخرى عن مطالبة المسافرين بالتوجه إلى إحدى البوابات لمغادرة البلاد، ولكن بطلاتنا برغم رغبتهن في السفر، لا يغادرن أبداً وتظل كل واحدة منهن تسرد قصة نضالها وكفاحها ضد الفرنسيين، وفي النهاية يجلسن في داخل البوابة 52، ما يدفع أحد الضباط إلى التحقيق معهن.
تتقاطع في هذه العرض مجموعة من الأطروحات، فهناك أوطان شهدت الكثير من التحولات، دفعت أبنائها للهجرة، برغم ما قدموه لها، وهناك رغبة شديدة من صناع العرض في إعادة الاعتبار إلى النساء وأدوارهن التي لا تنسى ومنحهن مكانة مرموقة في الذاكرة، ورغم الرغبة في الرحيل والألم النفسي الذي يسببه التجاهل إلا أن البقاء في الوطن أفضل الخيارات المتاحة كما قال الروائي لبطلة مسرحية الأسدي.
ساحر العصر
«الذكاء الاصطناعي» هو ساحر العصر، ذلك ما يود قوله العرض المصري «ماكبث المصنع» من إخراج محمود إبراهيم الحسيني، ففي نص شكسبير الشهير «ماكبث» تغري الساحرات الشريرات لورد ماكبث بقتل الملك، وفي المعالجة الحديثة للنص يحرض الذكاء الاصطناعي أحد الشباب على قتل عمه الذي يتولى إدارة مصنع الشاب بعد وفاة الأب.
ويستلهم العرض كذلك أسطورة فاوست، فالذكاء الاصطناعي، والذي جسدته شخصية «مدركة» تشير على البطل بقتل عمه حتى لو كان المقابل أن يفقد عيناً وساقاً ويداً، وعلى نهج الدراما الشكسبيرية، يقود الشاب سيارة مع عمه، فتنقلب السيارة ويموت العم ويتعرض البطل لإصابات بالغة، ويؤدي قتل العم إلى الرغبة في قتل ابنه حتى لا يرث مكان أبيه، في مجموعة من المآسي المتتالية التي تذكر المشاهد بأحد أشهر النصوص المسرحية في العالم.
تميز العمل بالروح الشبابية، فأعضاء فريقه بالكامل ينتمون إلى كلية طب الأسنان في جامعة القاهرة، وتلك الروح تنسحب على فكرة العرض نفسها، ففي المؤتمر الصحفي الذي سبق العرض، قال المخرج: «لقد طرحنا على الذكاء الاصطناعي سؤالاً مفاده: ما هي الجرائم التي لا يمكن أن يحاسب عليها ماكبث؟ وأكد أن الذكاء الاصطناعي بحاجة إلى قدرات شبابية متقدة وقادرة على الابتكار والتفاعل مع كل ما هو جديد ومحفز للإبداع، وينسجم طرح العرض تماماً مع المؤتمر الفكري لهذه الدورة من المهرجان، والذي يأتي بعنوان: «المسرح والذكاء الاصطناعي بين صراع السيطرة وثورة الإبداع الإنساني».

أخبار ذات صلة

0 تعليق