الشارقة: علاء الدين محمود
شهد قصر الثقافة في الشارقة، أمس الأول الأحد، ختام أمسيات الدورة ال21 لمهرجان الشارقة للشعر العربي، وصدحت 7 أصوات شعرية بقصائد تتجول في التواريخ والسير، وتناجي الأوطان شوقاً وحنيناً، وتتجول في فضاءات الأمكنة، وتطل على عوالم النفس البشرية، لتغوص عميقاً في تفاصيلها الغامضة، وتبارى الشعراء: شيخنا عمر «موريتانيا»، وفاطمة مفتاح «ليبيا»، وعلي الشعالي «الإمارات»، وعمر الراجي «المغرب»، ونذير الصميدعي «العراق»، وزين العابدين الضبيبي «اليمن»، وإسماعيل عبد الرحمن إسماعيل «تشاد»، في تقديم روائع من رفيعة السبك الشعري المسكون بجماليات اللغة والبلاغة.
جرت الأمسية وسط حضور كبير تقدمه عبد الله العويس، رئيس دائرة الثقافة في الشارقة، ومحمد القصير، مدير الشؤون الثقافية في الدائرة، ومحمد البريكي مدير بيت الشعر.
استهل شيخنا عمر، بباقة من النصوص تميزت بالمستوى الفني واللغوي، والمقدرة على التعبير عن عوالم وأغراض مختلفة بشاعرية عالية، ويقول في نص بعنوان: «مفاتيح الحب»:
أمدّ يدي للحب فيكمْ لعلّه
يراني لكلتا الحالتين أخله
وإن عرضتْ في القلب منكم مضاضة
تذكرت أن الخلّ من صانَ خله
وإن عزفَ الشيطان لحْنَ كراهة
عزفتُ له لحنا من الحب مله
أنا الظل والقامات أنتمْ أحبتي
فلا غلّ في قلبي لمن كُنتُ ظله
تعلمتُ نبْذَ الكرهِ قبْلَ قصائدي
فعشتُ بقلب يعشقُ الكون كلَّه
بدورها قرأت فاطمة مفتاح، فواصل من مطر الشعر المحمل بعذوبة الكلمات وسحر المعاني وألق البلاغة، وغزلت ثوباً من نسيج خاص استمدت خيوطه وتفاصيله من الواقع والبيئة، لكنها أيضا تفرد مساحة خاصة في نصوصها للبعد الأنثوي فيها، ذلك الذي يبدو كبوصلة تجعل لقصائدها بصمة خاصة، وتقول في إحدى قصائدها:
أنثى بكامل الشعر جئت محملة
أمشي وظلي وارف بالأسئلة
ولكحل جداتي تساؤل مرود
يبكي بلا قصد شفاه المكحلة
ثوبي تفاصيل النساء بحكمة
يزرعن من دمع اليتامى سنبلة
أما عمر الراجي، فشارك بنصوص تحمل الفكرة والمعنى وتحتفظ بذات الوقت بالبعد الجمالي بمعمار لغوي وبلاغي شاهق، يغوص في الماضي ويطل على حداثة العصر، وتطل القضايا العربية والراهن بين قصائده تلميحاً لا تصريحاً، وتنهض نصوصه برافعة الرؤى الفلسفية والأسئلة، التي يقدم من خلالها مقترحاً لعالم من الخير والحب والجمال، ويقول في نص له حول تلك المعاني:
بلا منفى سيتعبني الرحيل
وليل في البلاد هو الدليل
بلا وطن تبعثرني جراحي
إلى الرياح ترى أميل؟
بلا امرأة فقدت الآن وجهي
ترى هل سوف تعرفني الفصول؟
سأهزم حين تجرحني الصحارى
وحين يغيب عن بصري النخيل.
وألقى الشاعر نذير الصميدعي، نصوصاً تكشف عن مقدرة كبيرة في تطويع اللغة، مع قوة في التشبيهات والتعابير في نظم شعري بديع، ويقول في حضرة «الشارقة»:
أتت والمرايا تستعين بوجهها
فقد ضاقت الأقوال وانكفأ المعنى
تعود بها إذ لا انعكاس يشابه المعاني
وأضحى كل مبنى لها سجنا
ترادفت الألفاظ حتى تشابكت
إذا اختلفت شكلا أو ارتبكت وزنا
تلازمها الأشياء في كل وجهة
إلى حد ألا غيرها يشبع المعنى.
وكانت المتعة الشعرية حاضرة مع قصائد عبد العزيز الضبيبي، تلك التي حملت أشكالاً وألواناً من الجماليات، وفي ذات الوقت أكواناً من الأسى والمعاناة عبر عنها الشاعر ببراعة في الكشف عن مضامين النفس البشرية، ويقول في قصيدة أشبه بالمناجاة:
أيها النيل ما أتيتُ لأشكو
أنت من تبدأ الحديث وتملي
قهر صنعاء لم يزل في ضلوعي
ساخناً والعنا خلاصة شكلي
وهروبي إليك ما كان إلا
أملاً في لقاء خل بخل
غير أني أراك قد صرت تبدو
يمني الأسى وتحمل حملي.
وتفاعل الحضور كثيراً مع قصائد إسماعيل عبد الرحمن، الذي عرف كيف يعزف على أوتار القلوب بنغم شعري شفيف، ويقول في أحد نصوصه:
احتاج حضنك كي الملم ذاتي
ومداد عطفك كي أخط ثباتي
أنا من أنا لولاك يا من في القداسة
تشبهين تلاوتي وصلاتي.
وشهدت الأمسية تكريماً خاصاً للشاعر الإماراتي علي الشعالي، كما قام كل من عبد الله العويس ومحمد القصير وعبد الله البريكي بتكريم الشعراء المشاركين.
ألق الدهشة
حلق علي الشعالي، بالحضور عالياً في سماء الدهشة والألق الشعري المسكون بالجمال، حيث يجيد الشاعر صناعة الصور والتقاط التفاصيل الصغيرة والتحريض على التفكير في طبيعة الأشياء، وقرأ من أحد نصوصه بعنوان «أخاديد»:ما زلت تحفر كوكب الموتى تفتش عن أغاني العاشقين ما زلت تهذي والسماء مريضة بغبار حرفك كلما عز الحداء رأتك عن قرب تحنّي روح من باعوك بالشعر الطري.
0 تعليق