الحرف العربي.. سكينة للروح - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

الشارقة: عثمان حسن
تتواصل إبداعات الخطاطين في كافة المحافل والملتقيات المتخصصة بفنون هذا الخط العربي الأصيل، مثل النسخ والثلث والديواني والرقعة وغيرها، هذا الخط الذي فرض نفسه على كثير من الفنانين حتى غير العرب، بوصفه مصدر إلهام لكثير من التشكيليين والمصممين الأجانب لاستثماره في لوحات وتصميمات مزركشة بالألوان والزخارف المختلفة.
نحن هنا، نقف عند تجربة لافتة للخطاط السوري رياض عيسى العبدالله، الذي أبدع لوحة خطية من الثلث الجلي، كتب فيها الآية الكريمة «لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ» وألحقها بعبارة «صدق الله العظيم»
غني عن القول: إن الثلث الجلي هو خط متفرد من جهة تكوين حروفه التي تمنح الخطاط سعة أكبر في التصرف بها على سطح اللوحة الخطية، هذا الخط يمنح المبدع فرصة أكبر في إبراز مهاراته الخطية من داخل بنية حروف الثلث الجلي، ما يمنحه -أي الخطاط- مساحة لتكوين علاقات بنائية غاية في الدهشة والجمال، ويبرز رصانة وجمال الحرف على سطح اللوحة ممهوراً بمجموعة من الخصائص الجمالية كإرسال بعض الحروف وامتداداتها، كما هو في حرف الألف على وجه الخصوص، فضلاً عن إمكانية تداخل الحروف واشتباكها واتصالها في ما بينها، وهو ما يمنح اللوحة في تكوينها النهائي بعداً جمالياً وبصرياً يستشعره المشاهد بكل راحة ومتعة.
* تناظر وتباين
حرص الخطاط رياض العبدالله على تصميم لوحته مراعياً مجموعة من الشروط الفنية والجمالية، بداية من رأس اللوحة التي استهلها بالبسملة، متوسطاً لفظ الجلالة (الله) على نحو يليق بقدره عز وجل، كما وزع كلمتي (الرحمن) و(الرحيم) في البسملة بحيث ظهرت الكلمتان متناظرتان من على يمين ويسار الجملة، كما عمل على استطالة حرف النون في كلمة (الرحمن) لتشتبك مع منتصف حرف الحاء في كلمة (الرحيم)، واشتغل على حرف الألف في كلمتي (الرحمن) و(الرحيم) بتصميم يتيح له إمكانية تمييل هذا الحرف عن استقامته في الكلمتين، فبدا الحرفان متناظران على نحو شعري وجميل في جانبي البسملة.
ظهر التباين في اللوحة بشكل جلي، في اختلاف حرف الراء في كلمة (رسول) عن حرف الراء في كلمة (حريص) وكذلك الأمر بالنسبة لحرف (الكاف) الذي بدا متبايناً وبوضوح عن نظيره في كلمة (عليكم).. وهكذا..
* مركز الدائرة
ما هو جميل ولافت في هذه اللوحة الخطية، هو ذلك التصميم الذي نفذه رياض العبدالله، واختص به كلمة (رسول)، التي جاءت في مركز الآية، فيما توزعت بقية كلمات الآية بشكل دائري حول كلمة (الرسول) وكأنه بهذا التصميم يلفت نظر المشاهد إلى دلالة الآية، التي يخاطب الله عز وجل بها عباده، بالإشارة إلى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وهي دعوة وإشارة من الله عز وجل لحث المسلمين على قبول النصيحة من رسول عزيز يحرص على هدي العباد، وحرفهم عن الضلال، وحثهم على التوبة والرجوع إلى الحق في كل أفعالهم وأقوالهم.
ما يزيد في جمال هذه اللوحة، هو ذلك الحجم الذي اختص به الخطاط كلمة (رسول)، وأيضا تمييزها عن بقية الآية بلون مختلف وهو البني، فيما جاءت كلمات بقية الآية باللون الأسود، وهو تمييز شكلي، ومعنوي أيضاً، فاللون البني هو لون يشعر بالدفء ويضفي مشاعر الأمان كذلك، وكأن الخطاط بهذا اللون، أراد أن يستميل وجدان العباد إلى ما سوف يستشعرونه من دفء وسكينة، حين يكون الرسول الكريم مرشدهم نحو الصواب، كما استخدم الأسود في بقية كلمات الآية الكريمة ليزيد من ثقة وقوة العباد بإيمانهم ومآلات سعيهم واستخلافهم في الأرض.
* إضاءة
بدأت موهبة العبدالله مع الخط منذ الصغر، في «الرقة» السورية واستمرت بعد حصوله على الثانوية في عام 1992، بعد احترافه للخط العربي واصل العبدالله رحلته مشاركاً في العديد من اللقاءات الخاصة بفن الخط العربي، وخلال مسيرته حصل على عدة جوائز بينها: المركز السادس بخط الثلث والنسخ في جائزة «البردة» العالمية في «أبوظبي» عامي 2008 و2009، وجائزة في مسابقة «الحلية الشريفة» في «إسطنبول» 2010، والجائزة الثالثة بخط الثلث العادي في المسابقة الدولية السابعة لمنظمة الدول الإسلامية باسم الخطاط «هاشم البغدادي» في «إسطنبول» 2016.

أخبار ذات صلة

0 تعليق