«زوجات بابا ساغي».. سرد يتأمل مشكلات الحياة اليومية - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

الشارقة: علاء الدين محمود
كثيراً ما كانت مفارقات الحياة موضوعاً للعديد من الروائيين حول العالم، الذين كرسوا جهوداً للغوص في عمق الأشياء لفهم تناقضاتها، وذلك بالطبع يعتمد على قوة الالتقاط لدى المؤلف، فالكثير من القضايا قد لا تلفت انتباه إلا الذين يجيدون فعل التأمل في ما حولهم من ظواهر اجتماعية، ليأتي دور السرد في التفكيك والتأويل وطرح الأسئلة وتقديم أطروحات من أجل واقع أفضل.
«إذا جاء وقت الزواج، فاتخذ زوجة واحدة فقط. وعندما تسبب لك الألم، كما تفعل جميع النساء، تذكر أنه من الأفضل أن يأتي ألمك من مصدر واحد»، يبدو أن تلك الكلمات هي بمثابة حكمة أو خلاصة رئيسية من جانب الرجل، في رواية «الحياة السرية لزوجات بابا ساغي»، للكاتبة النيجيرية لولا شونين، التي صدرت في نسختها العربية عن دار روايات في طبعتها الأولى عام 2022، بترجمة: هيفاء أبو النادي، وهو العمل الذي تدور ثيمته الرئيسية حول الصراع بين الرجال والنساء، الذكر والأنثي، أو باختصار حول النوع، غير أن الكاتبة تتخذ موقفاً تأملياً في هذا الموضوع، ولا تسعى لكي تنتصر لطرف على آخر، وتنشد العدالة التي من شأنها أن تجعل الصراع يتلاشى، وببراعة شديدة تضع المؤلفة القارئ أمام عوالم قد لا يلتفت إليها أحد لكنها شديدة التأثير في مجريات الحياة، وفي تكوين الإنسان نفسه، وتحرض على التفكير في كثير من الأشياء والتفاصيل اليومية في واقع البشر، ولا تقتصر الرواية على الحكاية الرئيسية فقط، بل تنسج خيوطاً مختلفة ومتنوعة يحمل كل واحد منها قضية أو موضوعاً.
*ظاهرة
تتناول الرواية تعدّد الزوجات في نيجيريا الحديثة، وأسباب انتشاره والقصص المختبئة داخل البيوت، وذلك من خلال حكاية بابا ساغي، ذلك الرجل النيجيري الذي تزوج من أربع نساء، وهن: إيا ساغي، وإيا توبه، وإيا فمي، وبولنله، وعاش معهن في منزل واحد، وعلى الرغم من أن البيت الذي ضمهم ممتلئ بالأطفال الذين أنجبتهم زوجاته الثلاث قبل أن يقترن بالرابعة، إلا أنه يرغب في المزيد، فقد أراد مملكة من الأبناء والبنات، وكان فخوراً بقدرته على الإنجاب وبكون زوجاته يعشن في كنفه بسعادة، لأنه يظن أنه يمتلك طاقة خاصة به ينفرد بها دون الرجال، وهو ما أوقعه في شراك النرجسية والفخر.
كانت كل زوجات بابا ساغي أميات، ليس لديهن أي حظ من التعليم، وكانت المفاجأة أنه قد أعلن لنسائه رغبته في الزواج مرة رابعة، وكان اختياره هذه المرة امرأة متعلمة، وهي بولنله، الأمر الذي أثار حيرة الكثيرين، كيف لهذه الفتاة الشابة الجامعية المثقفة أن تقبل الزواج من رجل كهذا؟ ولكن يبدو أن خلف هذا القبول قصة أخرى من قصص الرواية المتشابكة والمحتشدة بالأسرار، فقد رضيت بولنله بالزواج منه هروباً من ذكريات أليمة رافقتها في مقتبل العمر عندما تعرضت لعملية اغتصاب كانت لها آثارها النفسية السيئة عليها، حيث جعلتها، فيما يبدو، زاهدة في الرجال، وربما قبولها بابا ساغي جاء بحثاً عن الحماية والملاذ في عالم لا يرحم.
*منعطف
كان الزواج من الفتاة بولنله بمثابة منعطف كبير في حياة بابا ساغي، وبوابة لعاصفة قادمة قد تهد أركان هذا البيت الذي كان ساغي يظن أنه قد أسس على المحبة والسعادة، وفي الواقع، فإن زوجات الرجل لم يكن على وفاق مع الوافدة الجديدة، ربما سبب هذا الرفض، كما ظن ساغي، هو الغيرة، خاصة أن هؤلاء النسوة قد عشن معه عمراً طويلاً، غير أنه من المؤكد الأمر ليس كذلك فقط، بل هناك جوانب خفية، وهي التي سيكشفها هذا الزواج الجديد في حياة بطل الرواية.
*كشف المستور
تركز الرواية على لحظة تلك الحيرة التي ألمت ببطلها بابا ساغي عندما علم بأن زوجته الجديدة لم تستطع الحمل رغم مرور الشهور والأيام، وكان ذلك بمثابة صدمة لرجل يريد أن ينجب المزيد من الأطفال، خاصة أنه يثق تماماً في مقدرته على الإنجاب، وأمام هذا الواقع يصر على اصطحاب زوجته إلى الطبيب للوقوف على حقيقة الأمر وكيفية العلاج، وهناك ينكشف السر الذي طالما تكتمت عليه الزوجات الثلاث، فقد كان بابا ساغي، ذلك المزهو بقدراته حد الغرور، لا ينجب في حقيقة الأمر، و كل الأطفال الذين يمتلئ بهم البيت هم في حقيقة الأمر من رجال آخرين نتيجة لخيانة زوجاته الثلاث له، وكانت تلك هي العاصفة الهوجاء في حياة الرجل الذي أصيب بجرح نرجسي لن يندمل، فقد نسج بنفسه الأساطير حول قدراته وإمكانياته، وكان يظن نفسه يعيش في مملكة هو ملكها بينما اتضح له أن كل ذلك كان عبارة عن زيف وكذبة كبيرة عاشها بكل تفاصيلها إلى أن حانت ساعة الحقيقة.
*صراع
كانت تلك اللحظة «اكتشاف الحقيقة»، بمثابة انفجار كبير للصراع في داخل بابا ساغي كرجل أصيبت كرامته في مقتل، لقد سقط هذا الرجل المغرور في هاوية الكبرياء السحيقة في مجتمع ذكوري يعلي من شأن الرجل القادر على الإنجاب وإسعاد النساء، ولعل من الخلاصات المهمة في الراوية أن تلك القدرات التي كان يفتخر بها بابا ساغي ليست دليلاً على الرجولة، ومن هنا تسرب الكاتبة مقترحاً مغايراً غير الذي يسود في أذهان الرجال في نيجيريا، والكثير من المجتمعات الذكورية حول العالم، حيث إن الرجولة يجب أن لا تكون سبباً للتفوق، أو أسيرة صورة ذهنية محددة، فالرجل الحقيقي هو الذي يتمتع بالقيم والأخلاق وغير ذلك، كما أن الرواية تنفتح على مفاهيم خاطئة كثيرة منها أن إنجاب الرجل للأبناء هو خلود له هو، ولعل هناك رمزية شديدة الذكاء في هذه الرواية، وهي أن عدم مقدرة بولنله كفتاة متعلمة ومثقفة على الإنجاب هو إشارة إلى الظلام الذي تعيش فيه المجتمعات المتخلفة وعقمها الكبير ورفضها لأي محاولة للانفتاح والتحديث وتغيير المفاهيم السلبية السائدة، وكذلك فإن الرواية أبرزت مكانة المرأة ككيان مستقل قائم بذاته وليس ملحقاً بالرجل بعكس ما أريد لها.
*أساليب
حفل العمل بالعديد من الأساليب والتقنيات التي تم توظيفها ببراعة من قبل الكاتبة، وربما كان أبرزها تلك الكوميديا الناتجة عن معالجة مواضيع مهمة مثل الخيانة والتعدد عبر السخرية، وكذلك استعانت الكاتبة بالوصف الذي يحمل الكثير من التفاصيل وأفردت مساحة كبيرة لتناول أبطال العمل في ماضيهم وحاضرهم، حيث برعت المؤلفة في تكوين الشخصيات بشكل مؤثر، وكذلك بنت حبكتها بطريقة مشوقة حيث الإثارة سيدة الموقف خاصة مع تكشف الأسرار واحداً تلو الآخر.
*اقتباسات
«فقط المرأة الحمقاء تعتمد بشدة على وعود الرجل».
«يجب ألا تسمح لنفسك أبداً بالتسرع في القيام بأشياء لست مستعداً لها».
«خيارات الحياة صعبة وفي بعض الأحيان لا يكون لدينا أي خيار على الإطلاق».
«الرجال في غاية البساطة. سوف يصدقون أي شيء».
«لم أكن أريد وظيفة! أو حفل زفاف أبيض! أردت فقط أن تنتهي الحرب».
«إذا سحبتها من شعرها، فسوف تتبعك إلى أي مكان، أقسم لك».
«سأبقى في أرض الأحياء. لقد عدت الآن والعالم منتشر أمامي مثل البيضة المكسورة» «الطفل الذي يلعب في الظلام عليه أن يتعلم أولاً كيف يغمض عينيه».

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق