سفر روحي في الوجدان - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

الشارقة: علاء الدين محمود
أفكار مختلفة طرحها الفنانون المشاركون في معارض «ملتقى الشارقة للخط»، المختلفة، في محاولات جادة مقاربة ثيمة الملتقى، «تراقيم»، ونتج عن ذلك فيض من الإبداعات التي تتكئ على الحرف، لتنسج جماليات متنوعة هي عبارة عن سفر روحي في عوالم وجدانية، ولعل اللافت في تلك اللوحات والتجهيزات هو الاعتماد على ذاكرة وذائقة المتلقي في علاقته مع الموروث الجمالي الإسلامي، حيث إن المشاركات، في معظمها، تسافر بالمتلقي نحو ماضي الحضارة الإسلامية، ولكنها في ذات الوقت تستوعب روح العصر، من خلال الأفكار والمواد المستخدمة في الأعمال، ليجد المتلقي نفسه أمام بستان تتعدد ثماره.
الفنان الإماراتي خالد الجلاف، وهو أحد المكرمين في هذه الدورة، شارك بعدد من اللوحات التي تكشف عن براعة وإتقان في تضمين الفكرة داخل اللوحة الخطية، ولعل من الملاحظات المهمة في تلك الأعمال للفنان تلك البراعة في مزج الألوان وتوظيف الخطوط، وذلك ينبع من منهجية الجلاف الفنية وخبرته في الخط الأصيل، ويركز الفنان في هذا المعرض على تقديم الخط الكوفي، مقترناً بإبداعات وفنون ذائعة الصيت، وبتوظيف خلاق خاص للفنان مع رموز العمارة الإسلامية، فكل الأعمال التي شارك بها تشهد على ممارسات فنية تحفل بالجمال وتتعدد مواضيعها، حيث تحضر عوالم من المعاني السامية والرموز والدلالات، والرسائل السامية، ويغوص الجلاف كذلك عميقاً في أخلاق الدين الإسلامي وتعاليمه السمحة عبر لوحات تبرز تلك القيم النبيلة.
ومن ضمن اللوحات التي شارك بها الجلاف في الملتقى، لوحة حملت عنوان «حلية شريفة 1»، والرقم تميز للعمل عن عدد من اللوحات التي تحمل ذات العنوان، بتقنيات مختلفة، وتعبر جميعها عن اندراج الفنان في الاتجاه أو التيار الأصيل في الخط العربي.
ولوحة الحلية الشريفة المرقمة بالعدد «1»، هي عبارة عن أحبار وألوان وغواشٍ وذهب على ورق، وهي تقف شاهدة على التوظيف البديع للخط الكوفي في اللوحة، والعمل يقود المتلقي نحو عوالم روحية عامرة بالأنوار والجماليات، حيث تصنع الألوان وهج لافت، إضافة إلى النصوص التي هي عبارة عن آيات قرآنية، حيث تتصدر اللوحة «البسملة»، التي تظهر كعنوان عريض لعوالم العمل، وفي المنتصف آية من سورة الفتح: «مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللهِ وَرِضْوَاناً»، ثم يلي ذلك نص هو آية من سورة الأنبياء: «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ»، ثم تختم اللوحة بآية من سورة الأحزاب: «إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً»، كما يتضمن العمل أسماء الخلفاء الراشدين، رضوان الله عليهم، «أبو بكر»، و«عمر»، و«عثمان»، و«عليّ»، وتتجمل اللوحة بالألوان الزاهية، حيث تقترن اللوحة بعناصر الرسم والزخرفة، حيث ينفتح الفنان على عالم الصورة التشكيلية المعاصرة ليبعث فيها طاقة جديدة.
ولد الجلاف عام 1962، وهو صاحب خبرات كبيرة في مجال الخط العربي له العديد من المعارض والمشاركات، وفاز بالكثير من الجوائز والتكريمات وهو يشغل حالياً منصب رئيس جمعية الإمارات لفن الخط العربي.
تجليات
الفنان اليمني أسامة صالح بن لعور، يستصحب المتلقي والناظر في رحلة سفر روحية عامرة بالتجليات والوجدانيات، حيث يركز في لوحاته التي شارك بها في الملتقى على خطوط متنوعة وجماليات متعددة، حيث يتكئ في هذه العملية على التراث العربي والمجد الإسلامي القديم، إذ يستقي مواضيعه من القيم والأخلاق الدينية، حيث يحوّل تلك المعاني إلى أعمال ولوحات فنية عامرة بالرؤى والإشراقات النورانية.
ومن الأعمال التي قدمها ابن لعور في معارض الملتقى، لوحة بخط المحقق في ورق مقهر، بتوظيف الحبر الياباني والقلم المقصب والمعدني، وتحمل اللوحة نصاً قرآنياً من سورة النصر: «إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجاً فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً»، ولئن جاء النص باللون الأسود، فإن الخلفية التي حملت السورة كانت باللون الأصفر حتى يصنع الفنان سطوعاً يبرز عبره اللوحة ليتم التركيز من قبل المتلقي في هذه الحالة على النص القرآني من أجل التوقف عنده وتدبر معانيه، فاختيار السورة «النصر»، من قِبل الفنان يحمل العديد من الدلالات الفكرية والجمالية، وتشير إلى قوة الدين الإسلامي، كما أنها تحض على أهمية التسبيح والاستغفار من أجل نيل التوبة، وهي معانٍ ومقاصد إسلامية وروحية عظيمة، فاللوحة تحمل الرسالة لتضعها أمام الناظر بطريقة مباشرة.
ولعل توظيف خط المحقق في هذه العمل هو ضمن نهج الملتقي، خلال هذه الدورة الحادية عشرة، في استعادة العديد من الخطوط القديمة أو التي ما عادت تستخدم كثيراً.
وابن لعور هو صاحب إسهامات وتجارب خطية كبيرة، بدأت مسيرته الفعلية مع فن الخط في عام 2018، وحاز على الإجازة في خط النسخ من عدد من الأساتذة الكبار، وشارك في مسابقات ومعارض محلية ودولية، منها معرض «أسلاف»، في الرياض عام 2023، كما نال عدداً من الجوائز في مسابقات خطية مختلفة.
قصيدة
من ضمن مشاركات الملتقى المختلفة التي تتسم بالعمق والتأمل الروحاني، تلك التي قدمتها «ماهاجاتي»، «سنغافورة»، وهي شركة عريقة لتصنيع المنحوتات الخشبية الإسلامية، وحملت هذه المشاركات عنوان «قصيدة الحرفة والتراث»، وجميعها أعمال تعكس فلسفة الشركة في المحافظة على موروث حرفي خالد، وتقليد عريق تناقلته الأجيال جيلاً بعد جيل، فعلى الرغم من انتشار الأعمال الفنية المنتجة آلياً بكميات كبيرة، فإن «ماهاجاتي»، بقيت محتفظة بهذه الحرفة التي تحظى بمكانة رفيعة، وتتمثل صلب أعمالها في النحت على الخشب، وهو الأمر الذي يميز هذه الشركة التي قدمت الكثير من الإسهامات الخطية والحروفية المميزة حفاظاً على تلك الفنون التراثية العريقة.
والأعمال التي شاركت بها هذه الشركة والمؤسسة العريقة، تعكس مدى اجتهادها من أجل الحفاظ على حرفة تعود إلى قرون مضت، إذ واجه هذا الشكل الفني المعقد، الذي توارثته الأجيال من الحرفيين الماهرين، خطر الزوال مع ظهور فن الإنتاج الضخم المصنوع آلياً، وتتمثل مهمة مهاجاتي في الحفاظ على هذا التراث الغنيّ، ومواصلة صياغته بتفانٍ لا يتزعزع، وتضم الحرفيون الذين يكرسون أنفسهم لتحقيق الكمال في كل قطعة فنّية مصمّمة حسب الطلب.
ومعظم الأعمال التي قدمتها الشركة في الملتقى تبرز مدى إتقان فن نحت الخشب الدقيق، ومزج التقنيات التقليدية مع الابتكارات الحديثة لابتكار قطع رائعة وخالدة.
ومن هذه التكوينات والأعمال النحتية الحروفية التي شاركت بها «مهاجاتي» في الملتقى منحوتة، هي عبارة عن مبخرة بنحت يدوي على خشب «الساج»، وتحمل نصاً هو الآية رقم 13، من سورة الحجرات: «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير»، والتي تحمل الكثير من دلالات ومعاني المساواة وأهمية التعارف بين البشر.
سحر خاص
عمل «باب الكعبة... نحت رقائق»، عبارة عن نحت يدوي على خشب الساج، وهو مستوحى من باب الكعبة المشرفة، وما تحمل من نقوش كتابية فريدة تزيّن الباب، والتي تُعرف باسم «مخطوطات باب الكعبة المشرفة»، تُضفي عليها سحراً خاصاً، ويأتي العمل ليبهر المتلقي بتلك الجماليات الروحية وتحضه على التدبر والتأمل فيها.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق