دبي: جاكاتي الشيخ
ضمن فعاليات الدورة السابعة عشرة من مهرجان طيران الإمارات للآداب، شهد فندق إنتركونتيننتال فيستيفال، مساء الأحد، تنظيم جلسة حوارية مع الكاتب واسيني الأعرج، تحدث خلالها عن مسيرته في عالم الرواية، متناولاً أهم محطاتها، والمؤثرات التراثية والحداثية التي امتزجت لتُتيح له تقديم أعمال إبداعية، طبعت بصمة مهمة في التجربة الأدبية العربية.
أدارت الجلسة الكاتبة فاطمة الحمادي، التي قدمت الأعرج قائلة، إنه روائي وأكاديمي جزائري بارز يعمل أستاذاً في جامعة السوربون، وواحد من أهم الأسماء في الأدب العربي المعاصر، له أكثر من 30 رواية مترجمة إلى أكثر من 20 لغة، ومن أبرز أعماله: «كتاب الأمير» (جزء 1 و 2)، و«ليالي إيزيس كوبيا.. ثلاثمئة ليلة وليلة في جحيم العصفورية»، و«حيزيا.. زفرة الغزالة الذبيحة»، و«شرفات بحر الشمال»، و«حكاية العربي الأخير»، و«الليلة السابعة بعد الألف»، وقد نال العديد من الجوائز الرفيعة؛ تقديراً لمسيرته الأدبية، منها جائزة الشيخ زايد للكتاب، وجائزة الإبداع العربي، وجائزة كتارا للرواية العربية، وجائزة السلطان قابوس، وجائزة نوابغ العرب، مما يعكس مكانته المرموقة وإسهاماته العميقة في الأدب العربي؛ حيث أشرَع رواياته كنوافذ ملهمة إلى التاريخ والإنسانية.
* بداية مسيرة
في هذه الجلسة كشف واسيني الأعرج عن كواليس كتابة بعض رواياته، ومسارات تطور أسلوبه السردي، الذي يمزج بين الحكايات القديمة ورؤى معاصرة تعكس واقع الإنسان وتحدياته، عبر عوالم إبداعية، استطاع من خلالها نسج قصص تأخذ القراء في رحلة إلى عوالم مليئة بالخيال والتأمل.
واستهلّ بالحديث عن قصة بداية حبّه للكتابة الروائية، قائلاً إنه كان في صغره يدرس في الكتاتيب القرآنية، حيث يجتمع الأطفال ليكتبوا من المصحف الشريف، الذي يضعونه بينهم، ولم يكن من السهل أن يحصل أحدهم عليه منفرداً، وفي أحد الأيام اكتشف لدى معلّمهم كتاب «ألف ليلة وليلة»، وظن أنه مصحف، وحين بدأ في قراءته شدّته قصصه كثيراً، وذهب به إلى البيت دون علم المعلّم وانكب على قراءته، بشكل متواصل، وبسبب هيمنة الاستعمار الفرنسي ولغته حينها، كانت جدته تستعذب حبّه للقراءة بالعربية، وتقول له من أحبّ كتاباً أصيب بعدواه، وفي أحد الأيام زارهم أحد أقربائه، ولاحظ استغراقه في القراءة، فسأله عن الكتاب الذي يقرؤه، فأجابه إنه يقرأ القرآن الكريم، فلما اطلّع على الكتاب، انفجر ضاحكاً، وقال له: هذا ليس القرآن، بل هو كتاب «ألف ليلة ليلة»، ولا يجوز لمن هو في مثل سنك أن يقرأه، ورغم ذلك واصل قراءة الكتاب خفية، واستكمل قراءة أجزائه كلها، فكان سبباً في دخوله عالم الكتابة فيما بعد، وحبّه لها، وكان له تأثير كبير في تجربته الإبداعية، حتى إن من يقرأ أيّاً من أعماله بإمكانه اكتشاف ذلك.
نماذج
وسرد الأعرج ذكرياته عن رواية «كتاب الأمير» التي تناول فيها سيرة المقاوم الأمير عبد القادر الجزائري؛ حيث تحدث عن طريقته في جمع المعلومات، التي استطاع من خلالها الوصول إلى وثائق وقصص لم يكن الكثير من الناس قد اطّلع عليها، ما مكّنه من تقديم صورة متكاملة لهذا البطل، تلك الصورة التي أفصحت عن إنسانيته، وحبّه للحوار عكس ما كان يروّج له المستعمر، سارداً بعض الأحداث التي تدلّ على ذلك، وقد حصل عليها في مذكرات بعض الفرنسيين الذين جمعتهم معه مواقف مختلفة، رغم أن ذلك لم يمنع من أن توّجه له بعض تهم تشويه صورة البطل، إلا أن الإشادات العلمية التي حظيت بها الرواية في الكثير من الدراسات أكدت أنها كانت إسهاماً سردياً جليلاً، قدّمت هذه الشخصية في ثوب تخيلي مُبهر.
وتناول روايته «ليالي إيزيس كوبيا.. ثلاثمائة ليلة وليلة في جحيم العصفورية»، التي تناولت القصة المؤثرة للكاتبة مي زيادة، التي عاشت أديبة وكاتبة مشهورة، وانتهى بها المطاف في مسشتفى الأمراض العقلية، وقد نفى الكاتب في روايته تعرضها للجنون، مرجعاً ما حدث لها إلى صدمة، تعرّضت لها بعد أن وثقت بابن عمّها للزواج منها، فاستولى على جميع أموالها التي تنازلت له عنها، وأدخلها إلى ذلك المستشفى، وسافر إلى فرنسا، وهو ما استسلمت إليه بعد أن فقدت كل الأمل في الحياة.
كما تحدث عن الأدب الرقمي، واستحالة حلوله مكان الإنسان في الإبداع، رغم وجود بعض تجاربه التي أذهلت النقاد، حتى صارت تحصد الجوائز، مرجعاً ذلك إلى أن الذكاء الاصطناعي لا يعطي إلا مما لديه، بينما يتقدم عليه الإنسان بقدرته على الإبداع البكر، بما يمتلكه من قدرة على التخيل.
0 تعليق