«طريق قديم».. سيرة بوذا تفوح بالحكمة - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

الشارقة: علاء الدين محمود

الناشر: دار روايات
لطالما نُظر إلى الشرق كمنبع للحكمة والأساطير والحكايات الغامضة والتأملات الروحية، ولكم اهتم الكتاب بأفكار وحكم فلسفة الشرق القديمة التي شغف بها العالم بأسره، حيث غاص الكثيرون في مجاهيل الحضارات والفلسفات والرؤى التي احتضنها هذا الفضاء الجغرافي المتفرد الذي كان سباقاً في الاهتمام بالحكمة، ولقد كان النصيب الأكبر من ذلك التقصي والبحث هو الذي صب في اتجاه مقولات ومفاهيم المستنير بوذا «563 ق.م – 483 ق.م»، الذي شغل الناس في كل مكان.
كتاب «طريق قديم، سحب بيضاء... سيرة حياة المستنير بوذا وتعاليمه» للكاتب والشاعر الفيتنامي ثيت نات هانه، الصادر في نسخته العربية عن دار «روايات»، بترجمة: عادل خزام، يعد من المؤلفات التي تقدم غوصاً عميقاً ومختلفاً في حياة وتعاليم الفيلسوف بوذا، أو «المستنير»، الذي كان زاهداً متجولاً ومعلماً دينياً عاش في جنوب آسيا خلال القرن السادس أو الخامس قبل الميلاد وأسس البوذية كمبدأ فكري وفلسفي يقوم على الاعتدال والتسامح بعيداً عن التطرف في الانغماس الذاتي، حيث أقام فلسفته الأخلاقية على أربع حقائق وهي أن هذا العالم مليء بالألم وأن لهذا العالم المؤلم مصدراً وسبباً يجب كشفهما كما أن معرفة سبب الألم تقودنا إلى الوسيلة التي من خلالها نقضي على الألم ومن أجل ذلك يجب أن يتبع الإنسان أسلوباً صحيحاً، كما صاغ ثمانية مبادئ، أهمها القول الطيب والعمل الصالح، إضافة إلى بذل الإحسان والجهد الصادق في الأعمال، وتعتبر أفكار بوذا من ضمن الفلسفات الكبرى، التي تأسست ونشأت في شمالي الهند، وتدريجياً انتشرت في أنحاء آسيا، التبت، فسريلانكا، ثم الصين، ومنغوليا، وكوريا، واليابان. وهنا لا بد من فهم أن بوذا عبر تعاليمه، لم يناد بديانة أو معتقد، لكنه وضع أسساً فلسفة أخلاقية حياتية وتطبيقية، وهذه الفلسفة هي التي أنتجت كافة الاتجاهات البوذية التي ظهرت فيما بعد أو معظمها.
*تأملات
يستعرض الكتاب حياة وتعاليم وخطب وقصة حياة الحكيم بوذا كما استقاها المؤلّف من أربعة وعشرين مصدراً أصليّاً سنسكريتيّاً وصينيّاً، ما جعلها شاملة وغير مسبوقة. رصد المؤلّف ثمانين عاماً من حياة بوذا بهدوء وذكاء، و باتت هذه السّيرة من كلاسيكيّات الأدب الفلسفي والروحي، ويضم 81 فصلاً توثق لحياة الحكيم الذي قدم فلسفة كبيرة لها أتباع في كل أنحاء العالم.
*مفاهيم
ركز المؤلف في الكتاب على الإحاطة ببعض الأفكار والمفاهيم والحكم التي رسخها بوذا، متجنباً كل ما من شأنه التقيّد بالتعاليم التي تأتي نتيجة الفهم الخاطئ ووجهة النظر الضيقة والجامدة للرؤى والممارسات، كما عمل الكاتب على تجنب إدراج الكثير من المعجزات التي صيغت حول بوذا، والتي تستخدم في كثير من الأحيان في التعاليم لتجميل حياة الفلسفة البوذية وتعظيمها، وقد انطلق في ذلك من نقطة جوهرية وهي المتمثلة في أن بوذا نفسه نصح تلاميذه بعدم إضاعة الوقت والجهد للتدرب من أجل الحصول على قوى خارقة للطبيعة، لذلك عمل المؤلف على إبراز محطات شديدة النصاعة ومواقف شكلت المفاهيم والأفكار البوذية، حيث تضمنت هذه السيرة الكثير من الصعوبات التي واجهها بوذا في حياته، سواء من المجتمع الخارجي الكبير، أو مع تلاميذه وأتباعه في مجتمعه.

*دعوة للزهد
عمل الكاتب كذلك في هذا المؤلف على إبراز الجوانب الروحية بصورة أساسية، وكيف أن بوذا عبر فلسفته وأفكاره قدم غوصاً داخل النفس البشرية، ودعا الإنسان إلى تهذيب روحه وذاته عبر التأمل والتخلص من الحمولات السالبة التي يتعرض لها نتاج مشاكل وهموم الحياة، حيث لا سبيل إلى ذلك إلا بمواجهة المرء لذاته وتأمله في الأشياء من حوله لمعرفة طبيعتها وحجمها الحقيقي، فالإنسان يسير في هذه الحياة محملاً بالكثير من الأثقال نتيجة التفكير في كسب العيش والبحث عن الأمان وربما الثروات، لذلك تحمل أفكار بوذا دعوة للزهد وأن يعود المرء إلى جوهره، ويحتشد الكتاب بالمقولات والمقاطع المؤثرة ونقرأ منها: «أيّها الرهبان، الذي يعرف حقاً كيف يكون وحيداً، هو الشخص الذي يسكن في اللحظة الراهنة، حتى لو كان محاطاً بحشد من الناس. أمّا إذا كان يجلس وحيداً في الغابة، لكنه غير منتبه، ومطارَد بأفكار الماضي أو المستقبل، فإنه في الحقيقة ليس وحيداً»، وتحمل تلك المقولة بين طياتها معنى مختلفاً عن الوحدة والعزلة، فلئن درج الناس على تعريفها بالابتعاد عن البشر، فإن بوذا يرى أن هذا البعد الجسدي لن يحقق العزلة والانفراد بالذات ما لم يتجاهل المرء اثقال وتبعات التفكير في مشاكله وفي الماضي والمستقبل.
*أساليب
تأتي براعة الكاتب في استعراض هذه الأفكار بطريقة سلسة وسردية شاعرية ومقدرة فائقة في الوصف والتقاط التفاصيل الصغيرة واستدعاء المواقف، خاصة في ما يتعلق بمجتمع تلاميذ وأتباع بوذا، حيث استعرض حياتهم وتعلقهم برؤاه التي طرحها، والكتاب يعمل بشكل أساسي على إزالة الهالات الصوفية التي ينسبها الناس إلى هذا الحكيم المستنير، إذ إن عدم القدرة على رؤية بوذا كإنسان عادي يجعل من الصعب الاقتراب من عوالمه، واتبع الكاتب أسلوباً يتقصى من خلاله الأسباب التي قادت إلى ظهور حكم بوذا وأفكاره؛ بمعنى الاقتراب من المنابع التي ألهمته، وجعلته يصوغ حكمه بتلك الطريقة المؤثرة.
*صدى
الكتاب وجد صدى واسعاً لدى عشاق الفلسفة والحكمة والأدب، خاصة أن المؤلف تخلص من الحمولة الأسطورية التي ارتبطت ببوذا، وربما ذلك ما دفع المترجم والشاعر عادل خزام إلى الحديث عن الكتاب بالقول: «إن الكتاب يقدم لأول مرة بوذا بعيداً عن التبجيل والأسطورة والخرافات التي حيكت حوله. إنه يقدم بوذا كرجل عادي وشخص مثقف وعلى درجة عالية من الذكاء والمعرفة باللغات وبالأديان والنصوص القديمة والرياضيات ومُلم بجميع العلوم، كونه ابن ملك وتوافرت له جميع المعارف، إلى جانب أنه كان منذ صغره شغوفاً بالمعرفة. كما كان مبارزاً ومتمكناً من جميع الرياضات الجسدية، لكنه قرر في لحظة أن يواجه القدر عندما أدرك أن البشرية تعاني خللاً ما. هذا الخلل الذي اكتشفه بعد سنوات طويلة من البحث هو عبارة عن أن البشر أسرى الوهم والجهل، وإذا تخلصوا منه يمكن أن يتحرروا».

*إضاءة
ثيت نات هانه «1926- 22 يناير 2022»، هو فيتنامي بوذي معلم ومؤلف وشاعر وزاهد وناشط سياسي، كان يعيش في قرية «بلوم» في جنوب فرنسا، ويجوب دول العالم لتعليم الاعتزال الروحي وتقديم المحادثات والمخاطبات، وقد صاغ مصطلح «البوذية المرتبطة»، في كتابه فيتنام: «زهرة لوتس في بحر من النار»، وقد ألف هانه أكثر من 100 كتاب، من بينها أكثر من 40 كتاباً باللغة الإنجليزية. كان هانه عضواً نشطاً في حركة السلام، حيث يدعو إلى الحلول السلمية لمعالجة النزاعات ويقف إلى جانب التسامح.
*اقتباسات
«التعلق بالآراء هو أكبر عائق أمام المسار الروحي».
«التعليم هو مجرد وسيلة لوصف الحقيقة وليس الحقيقة نفسها».
«استخدم الطوافة للعبور إلى الضفة الأخرى، لكن لا تتمسك بها كملك لك».
«أن تكون محبوباً يعني أن يتم الاعتراف بك على أنك موجود».
«لا يقلق الحكيم، أو يشتكي، يراقب شعوره بهدوء ويدرك أنه مجرد شعور».
«مفتاح التحرر هو اختراق الجهل والدخول بعمق في قلب الواقع».
«إذا فقدنا اللحظة الحالية، فإننا نفقد الحياة».

أخبار ذات صلة

0 تعليق