«رقصة الجاكاراندا» ..قصة ولادة أمة - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

الشارقة: عثمان حسن

الناشر: دار روايات

«رقصة الجاكاراندا» رواية للكاتب الكيني بيتر كيماني، تدور حول استقلال كينيا عن بريطانيا العظمى، وهي تستعيد أحداث مد سكة الحديد التي اعتبرت علامة لولادة أمة، من خلال ثلاث شخصيات: الواعظ ريتشارد تورنبول، والمسؤول الاستعماري إيان ماكدونالد الذي يلقب بالسيد، والتقني أو الفني الهندي بابو سليم، تتقاطع حيوات هؤلاء عندما يلتقون في حادث ولادة طفل مثيرة للجدل، وكان لقاء الثلاثة الشرارة الأولى التي ألقت الضوء على الماضي المشترك لهم.
صدرت الرواية عن دار روايات في 390 صفحة، من ترجمة الفلسطينية رؤى عزام، وتألفت من مدخل وأربعة فصول وخاتمة، والفصول هي: «منزل الموسيقى»، «منزل الصمت»، «منزل الضوء»، و«منزل الظلام».
تغوص الرواية في عالم متنوع متعدد الأعراق والثقافات، وبالتالي يمكن أن تكون «رقصة الجاكاراندا» قصة عن العولمة، ولغتها عبارة عن مزيج حالم يخلق عتبات جديدة للهوية، ويوفر استعارات تتعلق بمفهوم العرق في إفريقيا المعاصرة.
*تاريخ الأرض
يروي هذا الكتاب شيئاً عن تاريخ الأرض التي أصبحت كينيا الآن، وكيف حصلت تلك الدولة على استقلالها عن بريطانيا العظمى مطلع الستينات، وهي رواية تاريخية مشبعة بالرؤية الثقافية للمجتمعات الثلاثة: الثقافة الإفريقية الأصيلة، والثقافة الإنجليزية، والثقافة الهندية، التي ناضلت مع بعضها واتحدت في النهاية لتشكل شيئاً جديداً وفريداً، ساهم كل منها بطريقته الخاصة في صنع كينيا.
في هذه الرواية يرسم كيماني صورة للقراء عن شخصيات عمله، فريتشارد تورنبول، كانت مهمته تحويل السكان الأصليين إلى المسيحية. وهناك إيان ماكدونالد الذي تم إرساله للإشراف على بناء خط سكة حديد من مومباسا إلى الساحل. أما الهندي بابو سليم فكان تقنياً مهتماً بالموسيقى، أصله من البنجاب، وقد ساعد على بناء السكك الحديدية. تتقاطع حياة الثلاثة في مطلع القرن العشرين، وعلى مدى أكثر من 60 عاماً هي عمر حصول كينيا على استقلالها عن بريطانيا، وتتشابك هذه الحياة في نسيج فضفاض، والخيط الرابط بينها هو ولادة حفيدة زعيم إفريقي محلي مثيرة للجدل، خاصة أن ابنة الزعيم لم تكن متزوجة ولم يكن والد الطفل معروفاً. في البداية، كان يعتقد أن بابو سليم هو والد الطفل أو هو (الجاني)، ولكن عندما خرجت الطفلة من بطن أمها بعيون زرقاء لامعة، برأ الزعيم الإفريقي بابو وبحث في مكان آخر عن الأب. ويظل لغز نسب الفتاة الصغيرة حتى قرب نهاية الحكاية.
تبنى ريتشارد تورنبول الطفلة ورباها، وفي الوقت نفسه، يواصل ماكدونالد بناء خط السكة الحديدية الخاص به، ويدوس على حقوق وأراضي السكان المحليين، أما بابو الذي هرب بعد اتهامه بأنه والد الطفلة، فيخط مساراً مختلفاً في حياته، وبدورها فإن زوجته فاطمة، التي ظلت على الساحل حيث هبطا في رحلتهما من البنجاب، تشق هي الأخرى نجاحها الخاص كسيدة أعمال صغيرة.
كما نتعرف إلى راجان، وهو حفيد بابو المحبوب، الذي يكسب رزقه كمغن في فندق جاكاراندا، وراجان هو المفضل لدى السكان المحليين، فهو يقوم بغناء الحكايات والقصص التي أخبره بها بابو عن مغامراته الملحمية في بناء السكك الحديدية العظيمة.
*حبكة
وصفت الرواية بأنها عبارة عن قصة مسلية للغاية ومكتوبة بشكل جيد. مكتوبة بروح الدعابة الرائعة، والتي قد تضحك القارئ أحياناً وبصوت عال، ولكنها غالباً ما تكون من النوع الكاريكاتوري، منسوجة بحبكة قصصية بارعة ورشيقة وذكية، حيث كتبها كيماني بأسلوب واضح وبسيط، رغم أحداثها المركبة، بحيث تبدو سهلة الفهم حتى للمتلقي العادي، ومع أنها كان يمكن أن تكون قصة سوداوية عن فترة الحكم الاستعماري وتداعياته، لكن كاتبها تمكن من تقديم ذلك الماضي المؤلم بطريقة مباشرة لا تقلل من أهميته، بل تجعله مجرد عنصر واحد من كل أكبر. إنها قصة حاذقة ومتعددة الطبقات تأخذنا في رحلة طويلة عبر الزمان والمكان وتصل مباشرة إلى قلوب وعقول شخصياته من جميع الأجناس والألوان.
*قلب عاطفي
بابو الأقرب إلى بطل الرواية الحقيقي، هو القلب العاطفي للقصة -إن جاز التعبير- كما أن رحلته عبر المحيط إلى كينيا من البنجاب، والمصاعب اللاحقة في بناء السكك الحديدية، ثم تأسيسه لحياة وعائلة في أرض أجنبية، هو مركز القصة، بالنسبة لكيماني، الذي على ما يبدو يقدم رواية تدين الطبيعة اللاإنسانية والعنيفة للحكم الاستعماري البريطاني، حتى مع الاعتراف بالطبيعة غير الكاملة والفوضوية لسكان البلاد من البيض الملونين.
*منزل الصمت
نقرأ في الفصل الثاني من الرواية وعنوانه (منزل الصمت): «بالكاد كان بابو قد دخل سن الرجولة حين انطلق في الرحلة البحرية من الهند إلى مومباسا، مراهق ضامر، نحيل مثل القصب، وواحد من أربعين بالغاً وستة أطفال على متن المركب، المتجه إلى محمية، شرق إفريقيا البريطانية، ثمانية من الرجال كانوا طاقم السفينة تحت إمرة ناهودا، القبطان الذي يعرج ويقضي معظم الأيام جالساً في جلال مهيب، يحدق في الأفق باستعمال منظاره، كان مشهد قلنسوته والبروز الأسود لعدستي المنظار يمنحانه مظهراً سيريالياً يشبه حيوان كركدن عابس»، وتواصل الرواية: من بين الرجال التسعة الذين كانوا يقصدون المحمية للعمل فيها، اصطحب خمسة زوجاتهم، ومنهم بابو.
*نقد
في الصفحات المئة الأخيرة من الرواية قدم كيماني نقداً لاذعاً لكينيا اليوم، على شكل مقاطع، والتجار الصغار، وسائقي الشاحنات الأحرار، والفتيات اللاتي خرجن من القيود العنصرية التي فرضها الاستعمار على الأمة الكينية.
*إشارة
بيتر كيماني روائي كيني حاصل على جوائز، وهو شاعر أيضاً كان أحد ثلاثة قاموا بتأليف وتقديم قصيدة لإذاعة عامة وطنية بمناسبة تنصيب باراك أوباما رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية في عام 2009. مارس الصحافة في دائرة الأخبار الوطنية في كينيا، وفي صحيفة «الجارديان» و«نيو أفريكان» و«سكاي نيوز». يدرس الصحافة في كلية الدراسات العليا للإعلام والاتصالات بجامعة «آغا خان» في نيروبي، وهو حالياً كاتب زائر في كلية «أمهرست» في الولايات المتحدة. حصل كيماني على جائزة «جومو كينياتا» للأدب، أعلى وسام أدبي في كينيا، في عام 2011. وصلت «رقصة الجاكاراندا» إلى القائمة الطويلة لجائزة كتاب الشعب وجائزة الكتاب الكبير في عام 2018.
*اقتباسات
«تطور أمر مغادرة راجان للجاكاراندا إلى مستوى أسطوري، وانتشرت أنباء عن امرأة غامضة مسؤولة عن اختفائه».
ما حصل فعلاً هو أن «السيد» حول قصره إلى مزرعة وجلب إليها الحيوانات الحلوب.
كانت الحيوانات البرية داخل المزرعة تتعرض لصعقة كهربائية تعيدها إلى جادة الصواب.
قالت فاطمة بصوت ثابت: إن كانت الأنباء عن بابو، فلا بد أنها سيئة.
كان تعليق فاطمة الوحيد حين علمت بخيانة بابو: لقد حفظت نفسي من أجله طوال حياتي.

أخبار ذات صلة

0 تعليق