الفلسفة تتقاعد - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

القاهرة: «الخليج»
الفلسفة هي حب الحكمة؛ فإذا كنت تعتقد أنك تحب الحكمة، وفي إطار هذا التصور فإن الفلسفة تسمح بتحقيق أعلى درجة من السعادة، وهي حياة التأمل الزاهد؛ ومن ثم فإن الفلسفة هي الحياة التأملية، الحياة التي توضع قيد الاختبار والفحص، ويصير الافتراض أن الحياة غير المختبرة لا تستحق أن تعاش، فينبغي أن تشكل الفلسفة البشر، لا أن تعلمهم وتوجههم فحسب.
يجب ألا ننسى أنه على الرغم من أن الحياة غير المختبرة لا تستحق العيش، فإن الحياة التي لا تعاش لا تستحق التأمل، والفلسفة عند القدماء لم تنفصل عن التقلبات الفعلية التي تحدث في الحياة الاجتماعية اليومية.
تخيل المشهد التالي: تلتقي فيلسوفة أكاديمية شخصاً غريباً في حفلة ويسألها: «ما عملك؟» تجيب أنها فيلسوفة، ويتجرأ الغريب للحظة، ولافتقاده لأي شيء يقوله غير ذلك يسأل: «ما معنى الحياة إذن؟» يقول سايمون كريتشلي، في كتابه «الفلسفة القارية: مقدمة قصيرة جداً» (ترجمة أحمد شكل): «الآن، بقدر ما أجد هذا الموقف محرجاً اجتماعياً، أعتقد أن الشخص الغريب لديه ما يبرر افتراضه تماماً، بعبارة أخرى، إذا لم تعالج الفلسفة مسألةَ معنى الحياة، فإنه يمكن القول إن الفلاسفة لا يقومون بعملهم على نحو صحيح».
المشكلة هنا لا تتعلق بالأشخاص خارج مجال الفلسفة أكثر من تعلقها بالأشخاص داخله؛ فلاسفتنا الأكاديميين، فبالنسبة إلى معظمنا، فكرة أن الفلسفة ربما تكون متعلقة بمسألة معنى الحياة أو تحقيق حياة بشرية طيبة وسعيدة تعد إلى حد ما مزحة؛ مزحة سخيفة بالتأكيد، فمثل هذه المسائل يدرسها مجال ما يسمى تجاوزاً «علم النفس الشعبي».
الفلسفة الأكاديمية سلمت عن طيب خاطر هذا المجال إلى هذا المد الكبير المتواصل الزيادة من الكتب التي تدور حول «العقل والجسد والروح»، تلك الرفوف من كتب العصر الجديد الزاهية الألوان التي تقبع على نحو محرج بالقرب من أقسام كتب الفلسفة المتواصلة التقلص في المكتبات الموجودة في الشوارع الرئيسية، لقد تخلت الفلسفة الأكاديمية إلى حد كبير عن هذه المعارك واختارت التقاعد المبكر.
يقول المؤلف: «إنني أعتنق وجهة نظر أقل تطرفاً حيال العلاقة بين المعرفة والحكمة، أو بين الاستقصاء العلمي وما يمكن أن نسميه الاستقصاء الإنساني، أنا لا أعتقد أن مسألة معنى الحياة يمكن إخضاعها للدراسة التجريبية؛ فهي ليست مجرد مسألة سببية؛ فكما أعتقد، توجد فجوة بين المعرفة والحكمة؛ وهي ليست فجوة تفسيرية يمكن سدها من خلال إنتاج نظرية أفضل وأكثر شمولًا، وإنما فجوة «شعورية» فإذا كان يمكن حل كل المشاكل المعرفية تجريبياً من خلال الاستقصاء العلمي، فإننا قد نشعر أنه حتى لو حلّت كل تلك المشاكل في صباح يوم رائع وجميل، فسيظل هذا على نحو ما غير ذي صلة بمسألة الحكمة؛ بمسألة معرفة ما الذي قد تتألف منه الحياة البشرية الطيبة بالضبط».
تميزت الفلسفة القديمة بهوية تقوم على المعرفة والحكمة، أو على الأقل بمحاولة دمجهما معاً؛ أي إن معرفة طبيعة الأشياء من شأنها أن تؤدي إلى الحكمة في تسيير المرء لحياته والافتراض الذي يربط المعرفة والحكمة معا هو فكرة أن الكون على هذا النحو يعبر عن هدف إنساني، وهي وظيفة فلسفية انتهت في العصر الحاضر.

أخبار ذات صلة

0 تعليق