13 نظرية في الطبيعة البشرية - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

القاهرة – «الخليج»

شغلت النفس الإنسانية الفلاسفة على مر العصور ضمن أطر نظرية مختلفة، وبواعث شتى بداية من الفلاسفة السابقين لسقراط، الذين حاولوا بناء تصوّر نظري للعالم، ومروراً بالفلاسفة الإسلاميين والمسيحيين الذين حاولوا إثبات ماهية معيّنة لها أو سلموا بماهية معينة لها، وأسسوا عليها قضايا أخرى، انتهاء بفلسفة التنوير التي رأت في الفيزياء النموذج المثالي للمعرفة، وكل هذا يرتبط بتصورات قيمية عن النفس والعالم، وإعادة ما يكون موقف الفيلسوف من النفس حاسماً في مواقفه الأخرى الكبرى.
في فلسفة العقل المعاصرة، فهناك تحول في دراسة العلاقة بين النفس والجسد، إذ أصبحت العلاقة هي علاقة العقل بالدماغ، والاستعارة التي سادت هي الإنسان الحاسوب، أي كسلسلة محددة من العمليات الفيزيائية أو الدماغية، بحيث إن سلوكه يفسر بسهولة كنتيجة لتلك العمليات، وبات من الممكن الحديث عن العقل المتجسد والجسد المدرك، وبطبيعة الحال لا يقبل معظم الفلاسفة والأكاديميين حالياً بالثنائية، ويحاولون بناء مذاهب في فلسفة العقل تتجنب الثنائية الجوهرية (وجود نفس وجسد)، لكن لنتجاوز هذه الحقيقة، ونسلم جدلاً بأن الإنسان بالفعل ليس إلا مادة، فهل يعني هذا اختزال الإنسان في دماغه أو جسده ومن ثم تفسير سلوكه كآلة؟
للفيلسوف هيلاري بوتنام مقال مهم، بعد نبذه للمادية الاختزالية التي اعتنقها سابقاً، بعنوان «الفلسفة وحياتنا العقلية» عام 1975 من أهدافه: «إنكار التلازم بين كون الإنسان من مادة، وكون سلوكه يمكن اختزاله طبيعانياً، وبالتالي فإن إنكار النفس لا يعني بالضرورة إنكار أن الإنسان ذو أبعاد ومقومات اجتماعية وتاريخية وثقافية لا يمكن تفسيرها تفسيراً علماً اختزالياً، هذه المسألة الكبرى يمكن اعتبارها من الموضوعات الأساسية في هذا الكتاب وعنوانه «13 نظرية في الطبيعة البشرية» تأليف (ليزلي ستيفنون – ديفيد هابرمان – بيتر ماثيوز رايت – شارلوت ويت) (ترجمة خليل زيدان).
من الموضوعات الأساسية في هذا الكتاب أيضاً: هل هناك طبيعة بشرية تمثل معياراً للقيم والتصرفات؟ وما العلاقة بين الطبيعة والثقافة؟ بجانب هذه الموضوعات المهمة التي يعالجها الكتاب، فإنه يتميز بأنه يهتم بالفلسفات الآسيوية القديمة التي عادة ما يغفل عنها، مثل: الكونفوشيوسية والهندوسية، ويحاول مؤلفو الكتاب البحث في هذه الفلسفات عن تبصرات روحية فلا مجال لتجاوز القرآن الكريم والكتاب المقدس، ويفرد الكتاب فصلاً لكل منهما، ومن النادر أن نجد في كتاب واحد تحليلاً لموقف الكتب المقدسة من أمر ما بجانب مواقف الفلاسفة، بصرف النظر عن مدى دقة التحليل.
هذا الكتاب مهم لأي شخص يبحث عن «فلسفة للحياة» أي فهم للطبيعة البشرية يرشدنا إلى كيف ينبغي أن نحيا، وعادة ما يعتمد هذا الإرشاد على تشخيص الخطأ الذي نميل إليه، ونوع النموذج المثالي لما يجب أن نكون عليه، ويستخدم العنوان «نظرية الطبيعة البشرية» بمعنى واسع جداً، لتغطية التقاليد الدينية القديمة، وبعض النظم الفلسفية الكلاسيكية، ومختلف النظريات الحديثة التي تزعم استخدام الأساليب العلمية لوصف حياة الإنسان والمجتمع، ويمكن استخدام كلمة «فلسفة» بمعناها الكلاسيكي «حب الحكمة» أو رؤية للعالم، أو الأيديولوجيات (المعتقدات والقيم التي يعيش بها مجتمع معين أو جماعة ما أو يزعم أنه يعيش بها).
تشخيص بعض العيوب النمطية أي الأخطاء التي نميل إليها في ما يتعلق بحياة الإنسان والمجتمع.
وصفة علاجية لتصحيح الخطأ، ونموذج مثالي لكيف تعاش الحياة البشرية على نحو أفضل.
يوضح الكتاب أن النظريات بهذا المعنى الواسع تمنحنا الأمل في إيجاد حلول لمشاكل الجنس البشري.
يركز الكتاب على 13 نظاماً فكرياً مختاراً يقدّم إجابات عن أنواع الأسئلة الوجودية ذات الصلة بالحياة التي تحفز العديد من الناس على دراسة الفلسفة بأبعادها  المختلفة، ويطرح العديد من الأسئلة، من الواضح أن أموراً كثيرة تعتمد على نظرية الطبيعة البشرية التي نقبلها: بالنسبة للأفراد: معنى وهدف حياتنا، وما الذي يجب علينا فعله أو السعي إلى تحقيقه؟ وما الذي قد نأمل في تحقيقه أو وجوده؟ وبالنسبة للمجتمعات: ما تصور المجتمع البشري الذي نأمل في تحقيقه؟ وما نوع التغيرات الاجتماعية التي نفضلها؟
تعتمد إجابات هذه الأسئلة على ما إذا كنا نعتقد أن هناك طبيعة صحيحة أو فطرية للبشر، وبعض المعايير الموضوعية لقيمة الحياة البشرية إذا كان هناك هذه الطبيعة وتلك المعايير فما هما؟ هل نحن في الأساس منتجات للتطور، مبرمجون للسعي وراء مصلحتنا الذاتية وإعادة إنتاج جيناتنا، ومن ثم تحقيق دوافعنا البيولوجية؟ أم أنه لا توجد هذه الطبيعة البشرية الأساسية ولا يوجد سوى قابلية للتشكل في أنماط على يد المجتمع وقواه الاقتصادية والسياسية والثقافية المتغيرة؟ أم أن هناك غرضاً موضوعياً متعالياً لحياة البشر والتاريخ البشري؟

وعي كامل
يرى الكتاب أن المفاهيم المختلفة للطبيعة البشرية تؤدي إلى آراء مختلفة حول ما يجب علينا القيام به وكيف يمكننا القيام به، فإذا كنا نتاجاً لمجتمعنا وكانت حياة العديد من البشر غير مرضية، فلا يمكن أن يكون هناك حل حقيقي حتى يتغير المجتمع البشري، وإذا كنا أحراراً على نحو جذري، ولا يمكننا أبداً الهروب من ضرورة اتخاذ القرار الفردي، فعلينا إذن قبول هذه الحقيقة الأساسية عن نفسنا، واتخاذ خياراتنا بوعي كامل لما نقوم به.
لكن إذا كانت طبيعتنا البيولوجية تجعلنا نميل إلى التفكير والشعور والتصرف بطرق معينة، فمن الأفضل أن نضع هذا الأمر الواقعي في الاعتبار في حياتنا الفردية وفي السياسة الاجتماعية.

أخبار ذات صلة

0 تعليق