الشارقة: عثمان حسن
يعتبر ميدان الخط العربي بوصفه من أرقى وأعرق الفنون الإسلامية، من المجالات التي يبدع فيها الخطاطون العرب بالكثير من المقترحات الجمالية والبصرية، خاصة في شكل الحروف، لا سيما إذا كانت هذه الحروف تشكل نصوصاً دينية أو أحاديث نبوية شريفة.
ومما لا شك فيه، أن الميزة الأهم في تصاميم اللوحات الخطية، إنما تعود إلى مرونة الحرف، وسهولة انسيابه، ووضوح شكله، تبعاً لنوع الخط، الذي حدا بالفنانين لإبداع مقترحات جمالية وبصرية تمكن المشاهد من قراءة هذا الخط وفهمه، والحرص بقدر كبير على جمال منظره.
ولعل (الثلث الجلي) كما هي حال اللوحة التي بين أيدينا، والتي أبدعها الخطاط السوري عكلة حبيش الحمد من النص القرآني (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ) يعد مثالاً على أصالة وجمال هذا الخط، وتجدر الإشارة هنا، إلى أن النص الذي بين أيدينا هو جزء من الآية القرآنية: «وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ۖ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ».
استطاع حبيش، أن يبرز الكثير من السمات الجمالية والبصرية في هذه اللوحة، خاصة من خلال تلك التكوينات الحرة لشكل الحرف العربي في مده وإرساله أو استطالته، ضمن تجارب البناء الشكلي أو التصميمي الذي نراه في المنظر العام للوحة.
وأيضاً في تراكيب الحروف والكلمات وتقاطعاتها على سطح اللوحة المراد تصميمها، مما يزيد من فرص تمعن الخط وتأمل أبعاده الجمالية والروحية.
*تكوين
حرص الخطاط على تكثيف النص الديني في مساحة دائرية مشغولة بالكامل من الحروف المتناسقة والمتماثلة على حد سواء، كما حاول إبراز القيم الشكلية لهذا الخط في طول وامتدادات بعض حروفه، وفي انثناءاتها على النحو الذي اختاره وعبر عن رؤيته، ومن ناحية أخرى محاولة تجسيده لتلك المعاني التي استشفها من عمق وثراء القيم الإسلامية والمفاهيم الدينية.
من الملامح الجمالية في تكوين هذه اللوحة، يمكن التوقف عند كثير من القيم الشكلية، ومن ذلك التماثل الذي مثله حرف الألف وهو يتكرر ثلاث مرات، في كلمتين: ( عفا، فأجره)، كما يمكن تمعن استطالة حرف الألف في كلمة (عفا) التي صممت بطريقة جميلة، تلاحقها عين المشاهد لتستقر نهايتها تحت كلمة لفظ الجلالة (الله) في رأس اللوحة الخطية، تقديراً لجلال قدره وعظم ربوبيته عز وجل.
ويمكن للمشاهد أن يستمتع بجمال تلك الصورة في تماثل حرف العين في كلمة (عفا) مع حرف العين في كلمة (على)، وبذات القدر من التكوين الجمالي يمكن مشاهدة تناسق حرف الجيم في كلمة (فأجره) على يمين اللوحة الخطية، مع حرف (العين) في كلمة (على) على يسار اللوحة، وأيضاً تماثل حرف الجيم في كلمة (فأجره) مع حرف الحاء) في كلمة (وأصلح)، كما نتابع ذلك التصميم أو التكوين الشكلي في كلمة (على) التي ربط فيها الخطاط بين حرفي (العين) و(اللام)، بطريقة لافتة لعين المشاهد.
في ذات السياق، ولكي يبرز الخطاط هذه اللوحة في حلة من الجمال والتنسيق فقد حرص على شغل تلك الفراعات بين الأحرف بكثير من حركات التشكيل والخطوط المعروفة عند جميع الخطاطين.
*ضوء
عكلة حبيش الحمد، هو خطاط ومصمم جرافيك ولد في عام 1969، خريج كلية الفنون الجميلة / دمشق، حاصل على إجازة في الخط العربي من الخطاط الشهير عباس البغدادي. فاز بالمركز الأول في مسابقة سوق عكاظ الدولية للخط العربي، شارك في في ملتقى الشارقة للخط / الدورة الرابعة.
0 تعليق