فرجة تنشد القيم الإنسانية في أيام الشارقة المسرحية - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

الشارقة: علاء الدين محمود
تواصلت، الاثنين، عروض الدورة 34 لمهرجان «أيام الشارقة المسرحية»، حيث شهد «بيت الشعر»، تقديم ثلاثة أعمال هي: «الملاذ»، من العروض الفائزة في مهرجان «كلباء للمسرحيات القصيرة»، تأليف جون غلزورثي، وإخراج جاسم سامي غريب، وعرض «أغنية الوداع»، تأليف أنطوان تشيخوف، وإخراج طلال قمبر، ومسرحية «يا نصيب»، لفرقة مسرح العين، إعداد مهند كريم وإخراج نصر الدين عبيدي، أما قصر الثقافة في الشارقة فقد احتضن العرض الرابع «جر محراثك»، لجمعية دبا الحصن للثقافة والتراث والمسرح، إعداد وإخراج: مهند كريم.

عرض «الملاذ»، مستوحى من عوالم الروائي والشاعر والمسرحي البريطاني الحائز جائزة نوبل في الأدب، جون غلزورثي، خاصة مسرحيته «الأول والأخير»، حيث اهتم فيها بمفهومي الظلم والعدالة الاجتماعية معلناً انحيازه للمهمشين والفقراء، واستطاعت المسرحية أن تعكس قضية التفاوت الطبقي وما يتسبب فيه من مظالم، وتتحدث عن تلك التفاصيل الاجتماعية من خلال تناول جريمة ارتكبها رجل من علية القوم عمل شقيقه على إخراجه من تلك القضية بريئاً وتم إلصاق التهمة برجل من الفقراء، ويركز العمل على كيف يقف القانون في صف الأغنياء ويجور على الضعفاء، وبرع المخرج جاسم غريب في التعبير عن تلك العوالم من خلال توظيف رائع لعناصر السينوغرافيا، بحيث أضفى أبعادا جمالية شديدة الروعة للعرض.
*شمس تغرب
وفي عرض «أغنية الوداع»، استطاع المخرج طلال قمبر أن يتمثل فضاءات تشيخوف بجدارة، من خلال مقترحات إخراجية مبتكرة وشديدة الجرأة، فالعمل يتحدث عن ممثل يستعيد ذكرياته في مجال التمثيل بعد أن تقدم في السن، وكادت شمس مسيرته الإبداعية أن تغرب، وهو شديد التحسر على ذلك، حيث تنتظره أوقات من الوحدة والعزلة، فكان العنوان: «أغنية الوداع»، معبرة عن تلك اللحظة من حياة هذا الممثل، ولعل المخرج قد التزم فعلياً بقصة تشيخوف الأصلية، غير أنه أضاف أبعاداً جمالية عبر الفعل الإخراجي المميز وقدم صورة بصرية غاية في الأناقة، وقام بتوظيف الكثير من التقنيات المناسبة للعمل خاصة على مستوى عكس الحالة النفسية للممثل «فاسيلي»، الذي كان قد أدى دوره الأخير في عالم المسرح، وهو جالس يتذكر التصفيق الحار الذي استقبل به الجمهور أداءه في العرض، ليداهمه سيل من الذكريات ويمر في أفقه شريط من الأحداث يتضمن الروائع المسرحية التي قدمها، والعمل يحمل رسالة أن الأوقات السعيدة لا تدوم، والخوف من التقدم في السن وتعلق الإنسان بالحياة، وتلك المفاهيم الفلسفية والوجودية استطاع العرض أن يعالجها ببساطة وخفة دم، من خلال اللوحات والصور وتابع الأحداث بشكل سلس، بحيث يتفاعل معها الجمهور، وهو الأمر الذي حدث بالفعل، إذ وجد العرض تجاوباً كبيراً من قبل الحضور.
*متعة بصرية
مسرحية «يا نصيب»، هي ضمن الأعمال خارج المسابقة، وينهض العرض على فكرة اجتماعية ساخرة وضاحكة، وهي مسابقات اليانصيب ومن يربح المليون وغير ذلك من برامج صارت تشد المتفرجين على الرغم من محتواها الذي قد لا يكون شديد الفائدة للناس، ويتناول العمل ذلك الجشع والطمع والتسابق نحو الأموال والثروات من قبل البشر، مهما كانت الوسائل، في كل مكان وسيادة ثقافة الاستهلاك وسيطرة وسائل التواصل الاجتماعي و«الترند»، على البشر، كما يعالج التوجهات الإعلامية في هذا الزمن الراهن.
والعمل يتكئ في إعداده على فكرة «الكولاج»، أي تعدد المصادر من خلال حكايات مختلفة، بما يخدم فكرة العرض في التصدي للكثير من الظواهر السلبية التي انتشرت في المجتمعات البشرية خاصة الترف والتفاخر والطمع وحب التسوق والجري وراء «البراند»، و«العلامات»، وتصدى مخرج العمل للنص المعد بعدد من التقنيات والأساليب التي نجحت في تقديم متعة بصرية من خلال توظيف عناصر السينوغرافيا بصورة جيدة، من حيث تشكيلات الإضاءة والديكور، فقدم العمل مشهديات تنتمي إلى فن السينما، مع استخدام ممتع للموسيقى والأغنيات بما يشبه الفعل الاستعراضي الكرنفالي، وكان اللافت في العمل هو توظيف الكوميديا بطريقة ساخرة بحيث تعبر عن رؤية نقدية، وجاء الأداء التمثيلي إضافة كبيرة للعمل من خلال الجهود الأدائية الكبيرة، وضجت الخشبة بالحركة المتواصلة الأمر الذي سرب المتعة للحاضرين.
أما العرض الأخير الذي جاء ختاماً ليوم حافل «جر محراثك»، وهو ضمن عروض المسابقة، فقد كان مسكاً، حيث حفل بكل أشكال وأنواع المتعة المسرحية من النص وحتى الرؤية الإخراجية والطاقات التمثيلية، إذ تم توظيف كل مفردات العرض المسرحي، وتقنيات الفعل السينمائي، ما صنع تفاصيل عمل مسكون بالمتعة والدهشة.
والعمل نسجت تفاصيله من رواية «جر محراثك فوق عظام الموتى»، للكاتبة البولندية أولغا توكارتشوك، ويذهب نحو عالم الديستوبيا، حيث يقدم تصوراً لعالم الغد تتطور فيه الحيوانات وتنتقم من البشر على الظلم والاضطهاد والمجازر التي مارسوها في حقها، ويتضمن الفعل المسرحي رمزيات عالية من خلال العلامات النصية التي تحتاج إلى فعل التفكيك والتفسير والتأويل في مغزى التعبير عن ذلك الصراع بين الحيوان والإنسان، حيث إن القضية الأساسية بالنسبة للعمل هي الظلم والجور والصراع، وضرورة البحث عن بيئة نظيفة للحياة البشرية، وسيادة قيم الحب والخير والجمال وكل معاني الإنسانية الراقية، إذ عبر العمل عن تلك الثيمات بهذه الفكرة المجنونة، وكذلك فإن المخرج كريم، وهو المعد في ذات الوقت، لم يَكْتفِ، خلال عملية الإعداد، بنص أولغا فقط، بل بعدد من المراجع الغربية والعربية التي تتحدث عن الظلم، فقد اعتمد على ذات طريقة «الكولاج»، التي استخدمها في مسرحية «يا نصيب».
وعلى الرغم من أن العمل احتشد بالمناظر والمشاهد المفزعة خاصة الموت والدماء في صراع البشر مع الحيوانات، إلا أن المخرج عمل على تمرير تلك الحمولة الثقيلة من خلال جملة من التقنيات المبتكرة وغير المطروقة في مسارحنا العربية، الأمر الذي أضاف أبعاداً غاية في الروعة والجمال للعرض الذي تفاعل معه الجمهور كثيراً، وكذلك النقاد في الندوة التطبيقية التي تلته.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق