الشارقة: علاء الدين محمود
اختتمت مساء الثلاثاء عروض الدورة الـ 34، لمهرجان «أيام الشارقة المسرحية»، حيث احتضن «بيت الشعر»، مسرحية «بابا»، لمسرح الشارقة الوطني، تأليف وإخراج محمد العامري، وتمثيل: أحمد الجسمي، وعبد الله مسعود، ونخبة من نجوم المسرح الإماراتي، بينما جرت أحداث العرض الثاني «عرج السواحل»، لمسرح أم القوين الوطني، تأليف سالم الحتاوي وإخراج عيسى كايد، وتشخيص: سعيد سالم، وعبد الله بن حيدر، وناجي جمعة، ومجموعة من الفنانين المخضرمين.
جاء الختام بمنزلة مسك، وذلك لأهمية العملين، حيث الأول هو للعامري كتابة ونصاً وهو مقترح جديد في مسيرة المخرج صاحب الروائع المسرحية، أما العرض الثاني فهو يتكئ على نص من الأيقونات الإماراتية في مجال الكتابة، لمؤلفه الراحل سالم الحتاوي الذي يعد من أبرز المؤلفين والمسرحيين الإماراتيين، حيث اعتبر الكثير من الحضور أن استعادة العمل برؤية إخراجية جديدة هو بمنزلة لمسة وفاء لأحد الذين قدموا عطاءً كبيراً للحركة المسرحية في الإمارات والخليج.
واللافت في العرضين أن كل واحد منهما ضم عدداً من نجوم المسرح الإماراتي المخضرمين والكبار أمثال الجسمي وسعيد سالم وبن حيدر وعبد الله مسعود وغيرهم، غير أن العملين ربما يختلفان في الكثير من النقاط الجوهرية، فبينما يعالج الأول «بابا»، قضايا اجتماعية حديثة بشكل فلسفي يضع العديد من التصورات التي تتقاطع مع مفاهيم فكرية كثيرة، فإن العرض الثاني أبحر صوب الماضي وحكاياته واستلهم التراث القديم، وكانت رسالته ضرورة الحفاظ على الموروث بوصفه يحمل الهوية ويحميها، فكأنما جاء العملان كجسر يربط بين الماضي والحاضر.
*سلطة
العرض الأول «بابا»، هو ضمن عروض المسابقة، ويقدم غوصاً عميقاً في عدد من المفاهيم والقضايا الراهنة ويصور الصراع الأبدي بين القديم والجديد، وذلك من خلال قصة العمل التي تتناول حكاية إخوة يعودون إلى البيت الذي صار خراباً وسرعان ما يغرقون في بحر من الذكريات الأليمة، عبر تقنية «الفلاش باك»، عندما يتذكرون حياتهم مع والدهم الذي كان جباراً متسلطاً يفرض هيمنته على الأبناء، إذ كانت رؤيته ومنهجه وأسلوب حياته هو السائد، وأراد لأولاده أن يكونوا نسخاً متكررة منه، فهكذا تكون الرجولة، وأمام هذا الواقع المرير حانت بالنسبة للأبناء ساعة التمرد، فقد وجدوا أن من الضروري أن ينفلتوا من هذه القبضة الخانقة التي تحيل حياتهم إلى جحيم، ويستعيد العمل تلك الحواريات التراجيدية التي جرت بين الأب وأولاده، وكان الحل النهائي بالنسبة لهم هو مغادرة هذا السجن المغلف بمشاعر مؤذية رغم أنها صدرت من الأب باعتبار أن ذلك هو الطريق القويم، وبالفعل خرج الأبناء من المنزل، ليبقى الأب وحيداً ثم يموت في النهاية.
وناقش العمل تلك المفاهيم المتعلقة بالسلطة المطلقة والاستبداد من خلال الإسقاط على تلك الحكاية بين الأب وأولاده، وربما اقتربت المقاربة التي وضعها الكاتب مع المفهوم الفلسفي النفسي عن العقدة الأوديبية أو قتل «الأب الرمزي»، التي وضعها واشتغل عليها عالم النفس «سيغموند فرويد»، إضافة إلى الكثير من الرؤى الفلسفية التي تناولت تلك القضية التي تصب في مفهومي الحرية والخلاص.
*مقاربات
وعلى الرغم من أن العامري هو نفسه كاتب النص السردي للعمل، إلا انه قام بـ«قتل النص»، والتخلص من حمولته السردية عبر وضع مقاربات للعرض تقوم على أدوات الفعل المسرحي وبصورة خاصة عناصره المختلفة من ديكور وإضاءة وأزياء، وبالفعل فقد كان العرض مشهدياً بامتياز تخلص من الكثير من فائض الكلام ليعبر عنه بواسطة الإضاءة وتشكيلاتها والألوان ودرجات توزيعها خاصة اللون القاتم الذي يفسر الحالات النفسية وكذلك الموسيقى، ليأتي الأداء التمثيلي الكبير من قبل الممثلين المخضرمين ليشكل إضافة جمالية للعرض.
ويبدو أن العامري قد تصدى للفعل الإخراجي منذ لحظة تصميم مطوية العرض والتي حملت العديد من الدلالات والرموز خاصة مشهد النافذة التي تحاكي قضبان السجن كرمزية عالية الدلالة تشير إلى حالة التسلط والهيمنة في العرض.
*مشاهد تراثية
المسرحية الثانية، «عرج السواحل»، وهي خارج المسابقة، وتستلهم حكاية تراثية قديمة، تستعيد الكثير من المفردات من عوالم الخرافة والميثولوجيا، وتبرز جانباً من البطولة خاصة في مواجهة الاستعمار، حيث يعتمد العمل على قصة «عتيج»، الذي يعيش في أحد الفرجان ويحلق في عوالم خيالية مبتعداً عن واقعه، إذ يطيب له بصورة مستمرة أن يستدعي حكايات جده الذي كان بطلاً حارب الإنجليز ونال لقب الشهيد، بينما كان عتيج يلقب في الحي بابن الشهيد، وتحدث فجوة كبيرة بين الرجل وواقعه، إلى درجة أن زوجته كانت دائماً ما تنصحه بأن يعود إلى الواقع، ويبرز خلال ذلك صراع قديم جرى في الماضي بين جد عتيج هذا وجد شخص آخر يدعي يعقوب، إذ قام الأول بطرد أسرة الأخير من الفريج بل قام بإذلالهم ليعود يعقوب لينتقم لجده.
النص احتشد بالجماليات، وربما كان سبب تفاعل الجمهور معه كونه يعبر عن البيئة المحلية والخليجية، حيث جاء العمل بصورة بسيطة وغير معقدة، لكنه رغم ذلك يحمل العديد من العلامات التي تحتمل تأويلات مختلفة، خاصة فيما يتعلق بالصراع مع الاستعمار وسعي المستعمر إلى خلخلة البنية الاجتماعية من خلال صناعة الفتن والأحقاد بين الناس.
المخرج استطاع أن يستعيد هذا النص من خلال مقاربات جديدة، خاصة في ما يتعلق بدور النساء في الواقع الاجتماعي في الماضي، وقام بتوظيف جملة من التقنيات الإخراجية، حيث كان الديكور بسيطاً كما الحكاية عبارة عن أبواب قديمة من مفردات التراث، وقبر الجد الذي يقع داخل البيت، وكذلك تعامل مع المقهى الذي دارت فيه سرد الحكايات، ووظف الإضاءة بصورة رائعة أظهرت تعبيرات الوجوه، كما عمل المخرج على مزج خلاق مبتكر بين الكوميديا والمأساة.
0 تعليق