«هل أراك».. الفن مرآة الحب - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

دبي: عثمان حسن
تواصلت مساء، الخميس، على مسرح ندوة الثقافة والعلوم عروض النسخة ال15 من مهرجان دبي لمسرح الشباب بعرض مسرحية «هل أراك» للكاتب المسرحي العراقي أحمد الماجد ومن إخراج وسينوغرافيا الفنان سمير البلوشي، وهذا العرض من إنتاج مسرح خورفكان للفنون، ومن بطولة الشخصيات الرئيسية: سارة السعدي بدور سلمى، عذاري السويدي بدور ليلى، عبد العزيز حبيب (سليمان) وعلي ديدة موسى بدور سليم.
إشارة
استوحى نص العرض فكرته الرئيسية من الإبداع الفني بوصفه مرآة عاكسة للجمال والقيم الإنسانية، وموضوع الجمال والقيم هو من أهم مباحث الفكر الإنساني التي تدعو في نهاية المطاف إلى سيادة قيم الحب والخير والأخلاق والمثل، ومن ناحية أخرى، فهو نص عصري بامتياز لجهة غياب مثل هذه القيم وإلى حد ما (تلاشيها) في اللهاث اليومي للفرد والمجتمع نحو ترسيخ المصالح الفردية والآنية على حساب تلك الدافعية التي تعزز نشاط الإنسان وتقوي إرادته في مواجهة صعوبات الحياة.
حدوتة
تدور حكاية العرض حول عائلة، الأب في العائلة عاشق لاقتناء اللوحات الفنية، وكل لوحة يشتريها هي أصلية لا تُقدر بثمن، تشاء الأقدار أن يصاب هذا الأب بالعمى، هنا، يصبح عاجزاً عن القيام بأي عمل، وبالتالي غير قادر على توفير أعباء ومصاريف عائلته، فيضطر إلى البحث عن أمكنة بعيدة ونائية، لا توجد فيها أسواق أو إغراءات لترويج الفن، خشية أن يضطر لبيع لوحاته أو بعضها للتغطية على ظروفه القاهرة.
العائلة تجد نفسها في حاجة إلى المال، ومن دون علم الأب تفكر الزوجة والابنة في عرض بعض اللوحات للبيع، في الأثناء يظهر في المشهد ابن شقيق الوالد الذي يطالب، من دون وجه حق، بما تبقى من اللوحات، لكن الحقيقة أن حضوره كان بدافع حبه أو تعلقه الشديد بابنة عمه ليلى وليس اللوحات.
نكتشف في نهاية العرض، أن الوالدة والبنت، رغم محاولتهما بيع بعض اللوحات جرّاء الضائقة المالية، إلا أنهما بعد تفكير عميق لم تنفذا هذه الفكرة، وأنهما تلتقيان في التوجه والتفكير مع ذلك الوالد العاشق الذي يقدّر الفن حق قدره، وهما على قدر من الثقافة وسعة الأفق، آمنتا بدور الفن بوصفه أداة قوية تعكس التجارب الشخصية للإنسان، وأنه من خلال الفن يمكن للإنسان أن يتواصل مع الآخر، والفن يعرف الإنسان إلى ذاته في كل شؤون الحياة، بما يولده في الإنسان من قدرة على الخيال والتأمل، هنا، ينتصر الفن بوصفه قيمة لا تقدر بثمن رغم الظروف القاهرة التي تعيشها العائلة.
ينتهي العرض بمشهد جميل ومؤثر يظهر ليلى، وهي تقوم بكشف النقاب عن لوحات والدها، لوحة بعد أخرى، وهي تتلفظ بكلام جميل وذي معنى، جرى ذلك في خلفية المسرح، التي اتشحت بألوان مشرقة ولوحات تفيض بالغموض ودفء الإحساس، في رسالة تؤكد على أن الفن يماثل الحب، وهو موسيقى تحلق في عالم الإحساس، وتبقى رسالته في الجمال والصدق والحرية والحب.
صور العرض، الأب وكأنه من خلال هذا الفن الراقي سوف يقيم معبداً للجمال في القلب، وهي صورة جميلة تعبر عمن كسرتهم الحياة، ولكن بقيت قلوبهم يانعة، وأعينهم مبصرة بالحب، حيث الفطرة السليمة والذوق الراقي، وبالتالي فهو أب بقلب شاعر حالم، وكأنه استحوذ على الحقيقة والجمال من خلال الفن.
ندوة نقدية
في ختام العرض عقدت ندوة نقدية بحضور مخرج العمل المسرحي سمير البلوشي، وكاتب النص أحمد الماجد، وقد قدمت فيها الكثير من المداخلات التي أشادت بالعرض نصاً وإخراجاً، كما أشادت بسينوغرافيا العرض المسرحي، وقدرة المخرج على توظيف العناصر على الخشبة بكل ثقة واقتدار، كما أشاد الكثيرون بالأداء المدهش الذي قدمه فريق التمثيل على الخشبة، وهذا الألق الذي وفرته تلك المشهدية البصرية اللافتة والتي تضيف إلى رصيد المهرجان بوصفه منصة لتخريج المواهب الشابة في التمثيل والإخراج وكتابة النصوص، وكافة عناصر العرض المسرحي.
ومن الملاحظات المهمة التي توقف عندها النقاد، هو الإشارة إلى نص العرض الذي يقدم طرحاً جمالياً ومعرفياً ويطرح قضية إنسانية، ومن جهة أخرى تمكن المخرج من تقديم رؤية فنية خاصة في قراءة موازية للنص الأصلي.
من جهة ثانية، فقد التفت كثير من المتداخلين إلى تلك اللوحات البصرية التي تنقلت على خشبة المسرح، وذلك التناغم والانسجام الذي قدمه أبطال العرض على الخشبة، ما بين الإيماءة والحركة والتعبير من خلال الجسد، كما تمت الإشارة إلى بعض العناصر الفنية الأخرى مثل الإضاءة التي لعبت دوراً بارزاً في العرض.
ومن المداخلات التي قدمت خلال الندوة، تلك الإشارة التي تقارب رؤية العرض بالمسرح البريختي الملحمي، فقد اعتمد بريخت كثيراً في إيصال نظريته بالمسرح الملحمي على الممثل، وألقى على عاتقه كثير من المهام، ومن ذلك جدية وحداثة ما يطرح من موضوعات على الخشبة، حيث نجح العرض في إشراك المشاهد في اللعبة المسرحية التي أثارت الكثير من الأسئلة لجهة دور الفن في ملامسة القضايا والأحداث التي يعيشها الناس، وبث جرعة من الوعي قادرة على تجديد الإنسان ورد الاعتبار للحياة بوصفها تستحق أن تعاش.

أخبار ذات صلة

0 تعليق