الشارقة: يوسف أبولوز
صدرت العديد من العناوين المغربية عن دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة، وعن مركز الشارقة للتراث، وعن الهيئة العربية للمسرح، عناوين في النقد الأدبي، والشعر، والقصة، والرواية، والنقد المسرحي، والتراث الشعبي المغربي، والثقافة الشعبية المغربية، وبكلمة موجزة هناك نحو 50 إصداراً مغربياً صنعت هنا في الشارقة، بل أكثر من ذلك، جميعها تحمل ملامح عدة من الثقافة المغربية، والجدير بالذكر أن هذه العناوين صدرت بحفاوة ثقافية محلية قبل أن تكون المغرب ضيف شرف هذه الدورة من معرض الشارقة للكتاب.
اهتمت إصدارات الدائرة بشكل خاص بالإصدار العربي المغربي الأول تحت عنوان (إبداعات عربية)، واهتمت الدائرة بأدب الشباب العربي في هذا الإطار، وفي هذه الإضاءة المكثفة نشير إلى أربعة إصدارات شعرية مغربية تراوح بين الشعر العمودي، وبين شعر التفعيلة، وهي معاً وبشكل عام تعطي نموذجاً إلى حدّ ما حول الشعرية الشابة الجديدة في المغرب، وتأتي أهمية هذه الإشارة إلى هذه الشعريات الجديدة لكون المغرب ضيف شرف في هذه الدورة، ومن المعروف أن المغرب قد نظم برنامجاً ثقافياً شاملاً بمناسبة اختياره ضيف شرف، ولا يغيب الشعر عن هذا البرنامج، إنه الشعر المغربي الذي يصدر في مرجعياته عن تقاليد كلاسيكية عريقة، ذات لمسات صوفية ودينية، وظل يتدرّج هذا الشعر الأصيل إلى أن اتصل بالحداثة الشعرية المشرقية، ومن رموز هذه الحداثة المغربية: محمد بنيس، وعبداللطيف اللعبي على سبيل المثال لا الحصر، ويبقى من المهم الإشارة إلى أن الشعراء المغاربة متمسكون بلغتهم العربية، ويكتبون شعراً بالعربية الفصحى الخالصة، بعيداً عن أي أهواء فرنسية أو فرانكفونية.
هذه العناوين الشعرية المغربية الأربعة صدرت كلّها عن دائرة الثقافة في العام 2024، وأشير منذ البداية إلى ارتباط هؤلاء الشعراء أو هذه الفئة من الشعراء بالعمود الخليلي نصّاً وروحاً وأسلوباً وبناءً، وحتى قصيدة التفعيلة عند هؤلاء الشعراء (ثلاثة شعراء وشاعرة) هي في حقيقتها قصيدة (عمودية)، وإن كانت ذات شكل تفعيلي.
وضوح
في مجموعته (قابَ وَحْيَين) نجد نموذجاً بالغ الوضوح على هذا الارتباط بين العمودي والتفعيلي عند الشاعر حمزة الخازوم. وأوضح مثال على ذلك قصيدته (غناء حجري)، فهو يكتب على نسق التفعيلة (شكلاً)، ولكن جوهر هذا النسق هو عمودي محكوم بنظام صارم لقافية صارمة أيضاً، وإليك هذا المثال:.. يقول الخازوم:
يا نبياً في
دمائي استترا
كيف أصبحت نشيداً عَبَرا
مرّ بي منهم (حضورٌ) فأرى
في غياب منهمُ
حيث أُرى
كان في صمتي
كلامٌ مبهمٌ
وغنائي اجتثّ مني حجرا
هكذا الوجدُ امتدادٌ
وإذا حانَ كشفٌ في يديهِ انحسرا
أجرى الشاعر قصيدته هذه على تفعيلة (الرمل) (فاعلاتن)، وقافيتها ثابتة (الرّاء)، وبالقليل من تدوير هذا النصّ التفعيلي يتحول إلى نص عمودي.
مثل هذه البنية (التفعيلية – العمودية) عند الخازوم نجدها بحذافيرها عند الشاعر مبارك العباني في قصيدته (مدينة الغياب) في مجموعته (الشك أفصح ما لديك)، يقول العباني:
هذا السهادُ على العيونِ ترامى
أنا والغيابُ ووحشتاه ندامى
قلبي فتاتٌ
فوقَ أرصفةِ الدّجى
سرّاً تساقطَ للحنينِ طعاما..حلّت بأقصاه الحزين ولمْ تغبْ
ذكرى تحاولُ أنْ تقولَ سلاما
التفعيلة من (الكامل) (متفاعلن) والقافية ميمية، والبنية تفعيلية (شكلاً)، ولكنها جوهراً.. عمودية.
الشاعر بدر هبّول في مجموعته (النَّفَسُ الأخير) يميل إلى العمودي (الصّافي) إذا جازت العبارة، ويكتب قصيدة خليلية بشروطها العروضية وقافيتها النظامية.. كمثال على ذلك يقول في قصيدته: (سفر الهداية):
آتٍ على قدرٍ والليلُ في أثري
لعلّني أهتدي أو ينتهي سفري
آتٍ على قدرٍ والنجمُ يتبعني
علّ الهدايةَ في غصنٍ من الشجرِ
آتٍ على قدرٍ لا الصحبُ يؤنسني
ولا الحبيبُ يداوي لوعةَ الضجرِ
نسق
الشاعرة أسماء إد علي أوبيهي تكتب أيضاً على النسق (التفعيلي – العمودي/ الخليلي)، وفي قصيدتها (زحل) تحوّل البحر البسيط المركب المكوّن من أربع تفعيلات (مستفعلن فعلن مستفعلن فعلن) إلى شكل تفعيلي، أي أنها (تبعثر) التفعيلات على السطور، لكن حقيقة جمع هذه التفعيلات معاً هي البحر البسيط تقول:
أضحيتُ وحدي
كأن الأرضَ بعدك لم
تسرفْ سنيناً
لعمر الطيف
تنتحلُ
أنصاف كنّا
وهذا العمر بارقة
كم كان لي
عمرك الضوئي
ينتشلُ
يا غاية الوجدِ
رحت اليوم
في عتمٍ
إنّ الدجى صادَ قلبي
بعدها المقلُ
من قال لي بعده
للقط سبع مُهَجْ
.. صمتاً أقول انتهى
قصائد هؤلاء الشعراء مركبة من العمودي والتفعيلي، بل إن الأساس في بنية القصيدة هو العمودي الخليلي، وما الشكل التفعيلي إلا مجرد هامش أو تابع وليس له أي كيان فني في النصّ.
إن هذا الارتباط بالعمودي على حساب التفعيلي إنما يعود إلى ثقافة هؤلاء الشعراء (الخليلية)، كما يعود إلى تربيتهم الإيقاعية الموسيقية الكلاسيكية التي تفصح عنها هذه النصوص بشكل لا لبس فيه.
0 تعليق