«بيتلجوس بيتلجوس».. رحلة حياة إلى العالم الآخر - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

مارلين سلوم

عام 1988 قدم المخرج تيم بيرتون فيلم رعب كوميدياً يعتبر واحداً من بين أنجح أعمال هذه النوعية في السينما الأمريكية، «بيتلجوس» من تأليف مايكل ماكدويل ولاري ويلسون ووارن سكارين، ولأن الموضة السائدة حالياً إعادة نفض الغبار عن كل ما هو قديم وناجح، يعيد اليوم بيرتون إحياء هذا الفيلم بجزء جديد نشاهده في الصالات حالياً، يحمل نفس الاسم إنما مكرراً، وبنفس الشخصيات الرئيسية مع إضافة أجيال جديدة، متعاوناً فيه مع كاتبي سلسلته التلفزيونية الرائعة «ويدنسداي» ألفريد جوخ ومايلز ميلر، واللافت أنه استطاع الحفاظ على نفس مستوى الإتقان والروح الكوميدية والابتكار في خلق أجواء وتفاصيل الحياة ما بعد الموت، فيحصد تقييماً عالياً هذه المرة أيضاً، وينال إعجاب الجمهور.
ليس سهلاً أن تعيد إحياء شخصيات عرفها الجمهور قبل 36 عاماً، لتقدمها لأجيال جديدة وتحصد إعجابهم كما حصل سابقاً مع آبائهم، تيم بيرتون المعروف عنه أنه يعشق تقديم أفلام غير تقليدية ويذهب بخياله بعيداً جداً فيجيد تقديم الرعب بطريقة غير مرعبة، حيث تكون النكتة والسخرية حاضرة طوال الوقت، وفي «بيتلجوس بيتلجوس» يأخذنا في رحلة إلى العالم الآخر، حيث نرى الأموات يتنقلون بين المكاتب وطوابير الانتظار وقطع التذاكر ويحملون جوازات سفر وينتظرون الموافقة والأختام ويتولى قائد الشرطة وولف جاكسون مهام البحث والتحري وضبط الأمن في «قسم الجرائم في الآخرة»، وأمواتاً يعملون في وظائف متنوعة منها الرد على الاتصالات وتحويل المكالمات وتخليص المعاملات ويمر الناس بمراحل مختلفة قبل انتقالهم إلى المحطة حيث ترى الناس يغنون ويرقصون وهم يركبون «قطار الروح» الذي يحملهم إلى «ما وراء العالم»..


يعتبر خيال الكاتبين جوخ وميلر والمخرج تيم بيرتون في تجسيد هذه الحياة بعد الموت، التي ينتقل إليها الناس بعد رحيلهم عن عالمنا، هو أبرز وأهم ما في الفيلم، خيال واسع وخصب، تعرف جيداً أن المنطق والواقعية والمصداقية عوامل غير متوفرة ولا تحتاج للبحث عنها، تستسلم لفكرة منح عقلك استراحة، وتكتفي بمشاهدة فيلم بشروط أفلام الرعب الخالية من أي حقيقة، لكنه فيلم جيد يدفعك للضحك في مواقف كثيرة، وفي نفس الوقت يدفعك للاشمئزاز من بعض اللقطات المقززة مثل القيء والأمعاء.. بنى المخرج العالم السفلي كمجتمع بديل بقواعد وأخلاقيات مقلوبة، حتى أنك تشعر بسخريته من الوظائف المكتبية البيروقراطية والمسؤولين الذين يختمون المعاملات والأوراق، وكأنه ينتقد استمرار هذه البيروقراطية رغم تطور الزمن.. ولا بد لأفلام الرعب من تقديم مشاهد تخيف المشاهد غير المدرك للعبة التصوير والماكياج، حيث يحرص بيرتون على تجسيد الطريقة التي أدت إلى وفاة كل إنسان، فنفهم أن الرجل الذي يمشي والساطور عالق في رأسه أنه مات بهذه الطريقة، وآخر بلا رأس وامرأة تمشي والرمح عالق في عنقها.. كل تلك المشاهد والشخصيات وتنوعها وكل المفاجآت التي يتعمد المخرج تقديمها على مراحل تمنحك إحساساً بأن تيم بيرتون يلهو بحرفية في ملعبه، وكأنه يستمتع بإخراج ألعاب يفاجئك بها وأن جعبته ملئية بها ولا تنتهي حتى المشهد الأخير من الفيلم.


لم يتخل تيم بيرتون عن أبطاله الرئيسيين، تعود وينونا رايدر بدور ليديا ديتز، المراهقة التي أُجبرت بالنسخة الأولى عام 1988 على الزواج من المخادع بيتلجوس والذي يستمر في أدائه ببراعة فائقة مايكل كيتون، كذلك تواصل كاثرين أوهارا أداء دور ديليا ديتز والدة ليديا، ونذكر أن عائلة ديتز كانت قد انتقلت في الجزء الأول إلى منزل في «وينتر ريفر» كان يعيش فيه زوجان قبل وفاتهما، لكن روح الزوجين كانت لا تزال في المكان ومن هنا أصبحت ليديا ترى الأشباح وتتحدث معهم وأحبها بيتلجوس الشبح الماكر.. في هذا الفيلم، نرى ليديا وقد أصبحت امرأة أربعينية، تعمل وسيطة محترفة، تقدم برنامجاً تلفزيونياً شهيراً في نيويورك اسمه «بيت الأشباح مع ليديا ديتز»، يحضره الجمهور في الاستوديو وتقوم ليديا بمحاورة ضيفيها ممن يعانون من مطاردة الأشباح لهم، ثم فجأة يتراءى لها شبح بيتلجوس بين الجمهور في القاعة فتسرع إلى الكواليس خوفاً من عودته مجدداً.
روري (جاستن ثيروكس) هو منتج البرنامج الذي يتودد لليديا، يحاول تهدئتها، بينما ابنتها المراهقة أستريد (جيني أورتيجا بطلة مسلسل «وينسداي» للمخرج بيرتون) تكره والدتها بسبب ما تعتبره «تخاريف» ولأنها لا تؤمن بوجود الأشباح ولا بكل ما تقوله ليديا، وهو ما يجعل زميلاتها في المدرسة يسخرن منها ومن علاقة أمها بالأشباح. في هذا الوقت تظهر ديليا جدة أستريد، وقد أصبحت فنانة ومؤثرة على وسائل التواصل الاجتماعي، وهو تطور لشخصيتها منطقي ومناسب بعد مرور 36 عاماً على ما كانت عليه. تأتي ديليا باكية لتخبر ابنتها وحفيدتها بوفاة زوجها ووالد ليديا تشارلز (الذي لعب دوره في النسخة الأولى جيفري جونز)، فيضطر أفراد الأسرة للعودة إلى منزلهم الذي هجروه في وينتر ريفر، وبالطبع لا بد من العودة إلى كل تلك الذكريات مع بيتلجوس.
من المشاهد التي تفنن فيها المخرج بيرتون ببراعة شديدة، مشهد عودة ديلوريس مصّاصة الأرواح إلى الحياة، وتؤديها مونيكا بيلوتشي، شيطان على هيئة امرأة يمتص الأرواح، أحبت بيتلجوس في القرن الرابع عشر عندما كان يسرق قبور ضحايا الطاعون، فتزوجته وفرضت سيطرتها عليه إلى أن تخلص منها وقام بتقطيعها، ومشهد خروجها عن طريق الصدفة من صندوق وضعت فيه، غير تقليدي، حيث تستدعي أطرافها وكل جزء منها لتعيد لحم بدنها ووجهها بالكامل وتدبيسه كتدبيس الأوراق، عازمة على مطاردة بيتلجوس واستعادته لأنها تعتبره ملكاً لها، بينما «جوس» كما يطلق على نفسه يحب ليديا ويسعى للزواج منها.. ويبدو أن بيرتون استوحى فكرة تجميع ديلوريس من فيلم «كابوس قبل عيد الميلاد» الذي تولى هو إنتاجه بينما تولى إخراجه هنري سيليك والذي قدم فكرة تجميع الدمية القماشية.
الفيلم غني بالأحداث والتطورات والمفاجآت، وأستريد تلعب دوراً مؤثراً فتستطيع قلب الأمور لدرجة أنها تنقلب هي نفسها من فتاة مراهقة لا تؤمن بهذه الخزعبلات وتكره «أكاذيب والدتها» وتفكر دائماً بشكل علمي ومثلها الأعلى العالمة ماري كوري، إلى فتاة ترى الأرواح تماماً مثل أمها، وتعيش مغامرة خطيرة في العالم السفلي.. التشويق عال، التطورات متسارعة، النص مفعم بالحيوية، الممثلون متناغمون والكل يتألق، كما ترسخ النجمة الشابة جيني أورتيجا قدميها أكثر فأكثر في البطولة الأولى لهذه النوعية من أفلام الرعب والخيال. الموسيقى والأغاني تلعب دوراً أيضاً في مسار الأحداث والزمن، حيث نسمع أغاني من الثمانينات وأغاني فرقة «بي جيز».. وروح المؤلفين والمخرج الساخرة تتجلى كثيراً في مشاهد رئيس الشرطة وولف جاكسون (ويلم دافوي) الذي يخطط ويعطي أوامره ويدير الأمن كرجل مسؤول فعلياً، بينما يذكره أحد هؤلاء الأموات بأنه مجرد ممثل ميت ليس أكثر.
نهاية الفيلم نحسبها للحظات بأنها انتصار للحياة العادية خصوصاً مع قول ليديا بأنها تعلمت أن تستمتع بحياتها مع الأحياء ولا تفكر بالأموات ولا تتعمق بحزنها عليهم، رغم رحيل زوجها ووالدها وأمها، وتكمل حياتها بسعادة مع ابنتها التي نراها تتزوج سريعاً فنحسب أن المخرج يستعجل النهاية على طريقة أفلام الأبيض والأسود لتكون نهاية سعيدة والسلام، ثم يفاجئنا بما لا يتوقعه أحد، وما يوحي بأنه استمرارية لسلسلة «بيتلجوس» الذي إذا ناديته ثلاث مرات يظهر أمامك كما يقولون في الفيلم، فهل تعمدوا مناداته «بيتلجوس بيتلجوس» مرتين في هذا العام وسوف يطلقون عليه اسم «بيتلجوس» مكرراً ثلاث مرات في فيلم ثالث؟

[email protected]

أخبار ذات صلة

0 تعليق