«عمدة كاستربردج».. تناقضات الإنسان تحت مجهر السرد - ستاد العرب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

الناشر: دار روايات
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
«حياة وموت عمدة كاستربردج» رواية للكاتب البريطاني توماس هاردي (1840 – 1928) كتبها في عام 1886، وقد صدرت باللغة العربية في عام 2020 عن دار روايات بعنوان (عمدة كاستربردج.. قصة رجل محترم) من ترجمة زوينة آل تويّة، وجاءت في 45 فصلاً و431 صفحة.
تقع أحداث الرواية في الريف الإنجليزي في بلدة خيالية تدعى «كاستربريدج»، واستقى هاردي مناخاتها من بلدة «دورتشستر»، وبطلها أو شخصيتها الرئيسية هو مايكل هينشارد الذي يبيع زوجته وطفلته إلى بحار أثناء نوبة غضب، ثم يقضي الأعوام الـ 18 التالية في الرخاء، حيث يصبح ثرياً وله نفوذ اجتماعي، ويصبح عمدة «كاستربردج»، ومع ذلك فهو لا يتعلم مطلقاً من أخطائه، بل يستمر في ممارستها، وينتهي نهاية سيئة، بعد أن ظلت أفعاله في الماضي تطارده.
شخصيات الرواية هي: سوزان هينشارد (زوجة مايكل)، دونالد فارفري، ريتشارد نيوسون البحار الذي يشتري زوجة هينشارد، إليزابيث جين نيوسون، وغيرهم.

*تفاصيل
يبيع هينشارد البالغ 21 عاماً زوجته سوزان في مزاد علني مع ابنتهما الرضيعة إليزابيث جين إلى ريتشارد نيوسون، وهو بحار عابر مقابل 5 جنيهات.
تتوالى الأحداث، فيصبح هينشارد رجلاً ثرياً وناجحاً في تجارة الحبوب، بعد مضي 18 عاماً، يُفقد نيوسون في البحر، وبسبب حاجة سوزان إلى المال تبحث عن زوجها السابق هينشارد، يلتقيان، ويقرران الزواج مرة أخرى، (لمنع إليزابيث جين من معرفة فضيحة بيعها رضيعة).
تبرز في القصة شخصية دونالد فرفاري الذي يعجب به هينشارد لنجاحه في معالجة الحبوب المتضررة في مزارع هينشارد، وتعجب إليزابيث أيضاً بفرفاري، وهنا، يطرده هينشارد، فيصبح فرفاري تاجراً ناجحاً ينافس هينشارد في تجارة الحبوب، تدور الأحداث فتمرض سوزان تاركة لزوجها رسالة تكشف أن ابنتهما الحقيقية قد ماتت وهي صغيرة، وأن إليزابيث الحالية ليست ابنته، بل ابنة نيوسون، يصاب هينشارد بالصدمة، بمرور الأحداث تفاجئ هينشارد صعوبات مالية تفقده توازنه، فيقرر الزواج من لوسيتا الثرية ليتدارك وضعه المادي، لكن الأخيرة ترفضه، فينهار هينشارد ويعلن إفلاسه.
يظهر نيوسون مجدداً حيث يتبين أنه لم يضع في البحر، فيصل إلى هينشارد باحثاً عن ابنته إليزابيث، يخشى هينشارد من فقدانها فيخبر نيوسون أنها ماتت، يغادر الأخير وقد اعتراه حزن شديد، يعاود هينشارد تناول الكحول، وحين يكتشف نيوسون أنه تعرض للكذب يعود، ويختفي هينشارد بدلاً من المواجهة، وفي الخلفية تدور قصة حب بين إليزابيث وفرفاري، وتتوج بزواجهما، وفي يوم الزفاف يعود هينشارد طالباً الصفح والصلح، ترفضه إليزابيث، فيغادرهما، وبعد قليل تندم إليزابيث على برودة مشاعرها تجاه هينشارد وتحاول مع زوجها البحث عنه، ويكتشفان أنه مات وحيداً، تاركا ورقته الأخيرة التي يؤكد من خلالها رغبته في الموت والنسيان.

*تحفة استثنائية
تطرح الرواية الكثير من الثيمات مثل: الفقر والغنى، الأفراح والأحزان، الانتصار والهزيمة، وهي موضوعات للصراع الأزلي الذي يعيشه الإنسان في كل الأزمان.
في هذه الرواية يقترب توماس هاردي من التراجيديا الأرسطية، فالرواية بعيدة عن تلك الصراعات المكثفة بما فيها من عمق عاطفي ومخاطر كبيرة كما هي حال «هاملت» لشكسبير، وبرغم ذلك صنفت الرواية بوصفها قطعة استثنائية في أدب القرن التاسع عشر.

*وصف دقيق
رسم توماس هاردي وصفاً دقيقاً لشخصية هينشارد وغريمه دونالد فارفري، فالأول رجل قوي ذو نفوذ، والثاني شاب اسكتلندي، أضعف من هينشارد، لكنه يعوض ما يفتقر إليه من قوة بدنية بالذكاء والفكاهة، ولديه قدرة عقلية تمكنه من ممارسة الأشياء العضلية والأعمال الصعبة.
ويجعل هاردي لهذه الصفات في بنية الرواية ترميزات دالة، تحاول أن ترشد القارئ إلى فهم شخصيات عمله الروائي، وهاردي في هذه الرواية يريد أن يلفت نظر القراء إلى هذه التفاصيل الدقيقة بين الشخصيتين، من أجل فهم أعمق يغوص في مرامي الرواية البعيدة، وهو بكل تأكيد يكتب رواية تتوخى قارئاً أكثر من مجرد قارئ عابر، وهو ما أكد عليه في افتتاحية الرواية، حين قدم من خلالها وصفاً دقيقاً لشخصية مايكل هينشارد، كشخص قاتم وغير محبوب، ويبدو أنه عالق في زواج تعيس وسيئ حيث نقرأ:
«ذات مساء من أمسيات أواخر أحد الأصياف، يقترب هينشارد وزوجته سوزان من قرية ويدون – مع طفلتهما إليزابيث جين، سيرا على الأقدام، تبدو الأسرة فقيرة، ومع ذلك، فهم يرتدون ملابس بسيطة، السبب وراء مظهر ملابسهم السيئ ليس أنها رثة أو ممزقة، تبدو ملابسهم سيئة ببساطة لأنها مليئة بالغبار، ولهذا السبب يظهر هينشارد وزوجته أسوأ مما يبدوان عليه في تلك اللحظة، وبالتالي فإن الاثنين في وضع غير جيد».
ويستمر وصف الزوج في المشهد الافتتاحي: «يسترعي انتباه أي مشاهد عابر، هو ذلك الصمت المطبق الذي خيم على الزوجين، كانا يسيران جنباً إلى جنب بطريقة توحي من بعيد بتجاذب أطراف حديث حميم خفيض وسهل كالذي بين أشخاص ممتلئين بعاطفة مشتركة، ولكن عند النظر عن قرب، بوسع المرء أن يتبين أن الرجل كان يقرأ، أو يتظاهر بقراءة ورقة من قصيدة شعبية وضعها أمام عينيه ببعض الصعوبة باليد التي كان تحمل رباط السلة، وسواء كان هذا هو السبب الظاهر الحقيقي، أو كان سبباً مزعوماً لتفادي حديث قد يكون مزعجاً له، فلا أحد سواه باستطاعته الجزم بدقة، لم تكن المرأة تجد أي متعة برفقة زوجها مطلقاً، في الواقع كانت تسير في الطريق العام وحيدة إلا من رفقة الطفلة التي تحملها».
*آخر المطاف
لقد احترمت إليزابيث جين قدر المستطاع
ما كتبه هينشارد في غمرة ألمه وهو يحتضر، إلا أن ذلك لم يكن لإحساسها بقداسة كلماته الأخيرة بقدر ما كان لمعرفتها الذاتية بأن الرجل الذي كتبها كان يعني ما قال، كانت تعلم أن وصيته هذه جزء من النسيج نفسه الذي تشكلت منه حياته برمتها، ولهذا لا ينبغي العبث بها طمعاً في إرضاء نفسها بلذة الحداد عليه، أو في منح زوجها شرف الفخر بسماحة النفس.
كل شيء انتهى في آخر المطاف، حتى حسرتها على إساءة فهمه في زيارته الأخيرة، وتوانيها في البحث عنه، مع أن هذه الحسرة ظلت زمناً طويلاً شديدة الغور والوطأة، ومنذ ذلك الحين وصاعداً ألفت إليزابيث جين نفسها ترفل في الحرية وتنعم بهدوء البال، وتلهج شكرا وعرفاناً، ولا سيما بعد الظلمة التي خيمت على حياتها في السنوات الماضية، وأخذت عواطفها المشبوبة الجياشة في مطلع زواجها تستكين في صفاء رتيب، فأفسح لها المجال بفضل ما جبلت عليه من طباع رقيقة أن تكشف الدنيا من حولها.
*اقتباسات
*في صباح اليوم التالي لم يكن الضوء قد بزغ، وساد المكان ضباب كثيف، وأطبق الصمت على البلدة.
*كانت سوزان على وشك إخبار ابنتها إليزابيث جين بقصة حياتها، والأزمة المأساوية للصفقة التي وقعت في سوق ويدون.
*ترعرعت الآنسة البريئة إليزابيث جين، معتقدة أن ما يجمع البحار نيوسون ووالدتها كان علاقة طبيعية.
*كان فارفاري كيساً، حريصاً دائماً على تجنب أي شيء من شأنه أن يبدو انتصاراً على غريم صريع.
*خجل مايكل هينشارد من فعلته ببيع زوجته، منعه من متابعة بحثه عنها الذي سيثير الكثير من الفضول والصخب.
*حدق مايكل هينشارد مفكراً في هذا الثناء غير المتوقع لزوجته، وقال بفظاظة: حسناً، هذه فرصتكم، أقبل أي عرض على هذه الجوهرة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق