القاهرة: «الخليج»
في السنوات الأخيرة من حياة برتراند راسل أي في الستينات من القرن الماضي، عرف المفكر العظيم أكثر ما عرف عن طريق فكره السياسي والاجتماعي.
امتاز راسل بالواقعية الجيدة بحيث إنه اعترف للأشياء الخارجية بوجود مستقل عن وجود الإنسان ذلك أن المثاليين من الفلاسفة الذين يديرون مذهبهم على محور رئيس، هو أن الوجود الخارجي لا يعدو أن يكون تمثلاً في الذات العارفة، وأنه لا سبيل أمام الإنسان أن يخرج من إهابه، لينظر في الخارج بمعزل عن نفسه وفكره.
في حين أن راسل يرى أن العالم الخارجي موجود وجوداً مستقلاً عن الإنسان، وأن عملية الإدراك هي سلسلة سببية تبدأ من الشيء الخارجي ثم تطرق الحواس ثم تنتقل عن طريق الأعصاب إلى المخ.
راسل هو عدو الخرافة وربيب العقل، بحيث قال عنه أينشتاين إنني مدين بعدد لا يحصى من الساعات السعيدة لقراءة مؤلفات راسل، وهو شيء لا أستطيع أن أقول مثيله عن أي كاتب علمي معاصر آخر.
هذا الكتاب وعنوانه «مشكلات الفلسفة» لبرتراند راسل (ترجمه إلى العربية سمير عبده) حاول فيه راسل الاقتصار على المشكلات الفلسفية التي يمكن التحدث بشأنها بصورة إيجابية، لأنه كما يقول: «أعتقد أن النقد السلبي فقط هو خارج عن نطاق هذا البحث، ولهذا السبب احتلت نظرية المعرفة حيزاً في هذا الكتاب، أعظم مما احتلته نظريات ما وراء الطبيعة، أما الموضوعات الفلسفية التي تناولها الفلاسفة كثيراً بالبحث والنقاش فقد عالجتها بإيجاز».
يقين
هل ثمة معرفة في العالم تبلغ إلى درجة من اليقين لا يستطيع الإنسان العاقل الشك فيها؟ هذا السؤال الذي لا يبدو عند النظرة الأولى عسيراً، هو في الحقيقة من أصعب ما يمكن التساؤل عنه، وحينما ندرك العقبات التي تقف في سبيل جواب صحيح موثوق به نكون قد شرعنا في دراسة الفلسفة، فما الفلسفة سوى المحاولة للإجابة عن هذه الأسئلة القصوى، إجابة لا توصف بالخلو من العناية ولا بالمذهبية كما نفعل في الحياة العادية بل حتى في العلوم، ولكن من الناحية النقدية بعد اكتشاف كل ما من شأنه أن يجعل هذه الأسئلة محيرة، وبعد التأكد من الغموض والاضطراب اللذين تنطوي عليهما أفكارنا العادية.
يوضح راسل أننا في حياتنا اليومية نفرض أشياء كثيرة على أنها حقيقة على أساس الفحص الدقيق ولا يمكننا إلا بعد قدر عظيم من التفكير العميق أن نعرف ما الذي يمكننا أن نعتقد به، في ما يتعلق بالحقيقة، هذا إلى أنه في معرض البحث عن يقين يصبح من الطبيعي البدء بتجاربنا الحاضرة وفي معنى من المعاني يجب دون شك أن نستمد المعرفة منها، ولكن أي حكم عما يمكن أن تؤدي تجاربنا المباشرة إلى معرفته وهو حكم معرض على الأرجح للخطأ.
في نهاية كتابه يقول راسل: يجدر بنا في النهاية التمعن في قيمة الفلسفة والمبررات التي تدعو إلى دراستها، وأهمية ذلك أن الكثير من الناس يجنحون إلى الشك في الفلسفة بتأثير من العلم أو الشؤون العلمية، ولسان حالهم يقول إنها لا تعدو أن تكون أكثر من تناول أمور ليست ذات قيمة وتحديدات محيرة مربكة، تدور حول مسائل من الصعب الوصول إلى معرفتها.
0 تعليق