الشارقة: علاء الدين محمود
اختيار الفنان للخط المعين في اللوحة المحددة أو التكوين، تتحكم فيه الكثير من العوامل، منها الموضوع نفسه الذي يريد أن يعبر عنه، أو الفكرة التي تداعب خياله، حيث إن الخطوط تتميز عن بعضها في كثير من الأشياء التي تكسب اللوحة أبعاداً جمالية وفكرية مختلفة، لذلك، وبحثاً عن مزيد من الإبداع، بحث الفنانون عن خطوط جديدة مستلهمة من القديمة، ولكن عبر أسلوب معين يحافظ على قوالب الخط وشروطه.
يعد «الديواني الجلي»، من تلك الخطوط التي تستخدم لفكرة أو فلسفة خاصة، أو منظور جمالي يبحث عن التميز، وهو مولد أو منبثق عن «الخط الديواني»، ويمتلك ذات خصائصه ومميزاته من حيث اعتماده على استدارة الحروف وتداخلها، ولكن بطبيعة الحال، فإن لـ«الديواني الجلي»، مميزاته وسماته الخاصة، حيث إنه يتميز بكثرة علامات الزخرفة التي تملأ ما بين الحروف، وهو بذلك خط زخرفي بالأساس، حيث يمتاز عن أصله الذي تفرّع منه ببعض حركات إعرابية ونقط مدوّرة زخرفية رغم أن ألف باء حروفه المفردة بقيت مشابهة لأصلها الديواني باستثناء العين والحاء ومثيلاتهما وقد ضبطت بقواعد ميزان النقط على غرار الخط الثلث وممن اشتهر بتجويد هذا القلم غزلان بك المصري.
وقد ظهر الخط الديواني الجلي في نهاية القرن الـ 10هـ/16م بداية القرن الـ 11هـ/17م وقد أبدعه الخطاط التركي شهلا باشا، وصار مستخدماً بقوة في مشهد الإبداع الخطي، حيث اعتمده الكثير من الفنانين في تكوين لوحاتهم وتجهيزاتهم، والتعبير به عن أفكار ومواضيع معينة.
الفنان العراقي وسام شوكت، من مواليد البصرة عام 1974، وهو من المبدعين الذين قاموا بتوظيف عدة حروف قديمة وحديثة من ضمنها «الديواني الجلي»، وكانت بداياته مع فن الخط العربي عندما كان في العاشرة من عمره، على يد أستاذه في المرحلة الابتدائية محمد رضا سهيل، غير أنه تعلم كذلك بطريقة عصامية وأتقن هذا الفن من خلال المطالعة، وزيارة مختلف الأساتذة والمتاحف والمكتبات في أنحاء المنطقة، وحاز على العديد من الجوائز عن أعماله بالخط العربي، كما شارك كفنان وعضو لجان التحضير والتحكيم في دورات مختلفة من بينالي الشارقة لفن الخط العربي ومعرض دبي الدولي للخط العربي، وأقام العديد من المعارض.
وعبر خط «الديواني الجلي»، أنجز شوكت عدداً من اللوحات والأعمال الخطية والحروفية التي شارك بها في العديد من المعارض والمناسبات، حيث وجدت أعماله قبولاً وصدى كبيرين.
ولعل من تلك اللوحات التي أنجزها شوكت باستخدام «الديواني الجلي»، لوحة تحمل نصاً هو: «من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته»، وهو حديث شريف، يحمل معاني سامية، حيث يدعو فيه النبي الكريم لأن ينصر المسلم أخاه ويكون سنداً وعوناً ودعماً له، يسد حاجته ويفرج همومه، وتلك من المعاني الكبيرة التي تتناول قيم الإخوة في الإسلام، وتلك الأخلاق التي يجب وجودها في العلاقة بين المسلمين، فالذي يقف إلى جانب أخيه في كربته، ويعينه في قضاء حاجته، فلسوف يلقى الجزاء الحسن من عندالله تعالى.
تمثل
واللوحة تحاول أن تتمثل روح النص الذي يحمل تلك القيم والأخلاق النبيلة، بحيث تعبر عنها خير تعبير، ولذلك عمل الفنان على أن تأتي لوحته بصورة تدل وترمز إلى الوحدة والتضامن بشكل أقرب إلى قبضة اليد، وكذلك إلى الثمرة، ليجمع بين أكثر من معنى، وكذلك هي أقرب إلى شكل القلب من أجل تقريب معنى الوحدة والتضامن بين المسلمين أكثر فأكثر، حتى تتخذ أبعاداً روحية وجمالية في ذات الوقت، تدعو للتأمل في جماليات اللوحة والنص معاً.
وتحمل اللوحة كذلك السمات العامة والخصائص التي عرف بها خط «الديواني الجلي»، وذلك من خلال الخطوط والحروف المتداخلة الساعية لتكوين شكل واحد، وتبرز بصورة واضحة علامات الزخرفة التي تملأ الفراغ بين الأحرف، حيث إن هذا الخط يمتاز بلين الحروف ومرونتها، وذلك يمنحها قابلية التقويس والتدوير، والتزويق والتعديل في بعض حروفه كالألف، كما يمتاز بإمكانية التركيب والتشكيل، وهو ما يجعل اللوحة نابضة بالجمال، ولعل تلك الخلفية الصفراء في العمل قد جاءت من أجل تمكين المشاهد من التركيز بقوة على النص، ولعل اللوحة تميزت كذلك بالقوة المشهدية من خلال توظيف اللون الأحمر القاني الذي يمنح أبعاداً جمالية مميزة.
تأمل
اللوحة هي نتاج تأمل في القيم السمحة التي يدعو إليها الدين الإسلامي، وربما ذلك ما جعل الفنان يستعين بهذا الخط تحديداً «الديواني الجلي»، فالخطاط يقدم، وفقاً لهذا النوع من الخطوط، على الكتابة بتركيز شديد، ويعمل على خط اللوحة على مراحل، فهو يتوقف في بعض الأحيان عندما يريد أن ينتقل من مستوى إلى آخر في العمل، وذلك من أجل أن يجف الحبر، وحتى لا يقوم بمحو ما قام بخطه ورسمه، وبذلك فإن اللوحة في العادة لا تكتب في يوم واحد بل ربما تأخذ أياماً وربما تأخذ شهراً لكي تخرج متناسقة الحروف متناسبة الأحجام، ويعمد الفنان أثناء ذلك إلى إصلاح الأحرف بكشط الزائد على الحجم الذي حدده بقلم الرصاص، ويتم الكشط عن طريق الفرشاة أو القلم، وكل ذلك يبدو جلياً في هذه اللوحة التي أنجزها شوكت الذي استعان بخبرته الكبيرة مع الخط العربي ليصنع هذا الشكل الجمالي المتميز.
0 تعليق