القاهرة: «الخليج»
في الرابع عشر من فبراير سنة 1564 سمع شاب فلورنسي مقيم في روما، شائعات تقول: إن مايكل أنجلو مريض، شق طريقه إلى بيت الرجل، وحين وصل إلى هناك وجد الفنان خارج الدار، يهيم تحت المطر، احتج الشاب عليه، فقال له مايكل أنجلو: «ماذا تريدني أن أفعل؟ أنا مريض وليس بوسعي أن أجد الراحة في أي مكان».
أقنعه الشاب بالعودة إلى المنزل بطريقة ما، لكنه صدم بما رأى، لاحقاً في ذلك النهار كتب الشاب إلى ليوناردو ابن أخ مايكل أنجلو في فلورنسا: «يدفعني كلامه غير الواضح، إضافة إلى هيئته ولون وجهه، للقلق على حياته، قد لا تحل النهاية الآن بالتحديد، إلا أنني أخشى أنها قد لا تكون بعيدة» في ذلك اليوم الرطب لم يتبق سوى ثلاثة أسابيع على عيد ميلاد مايكل أنجلو التاسع والثمانين، وهو عمر عظيم في أي عصر، وعمر مذهل بالنسبة إلى منتصف القرن السادس عشر.
في كتابه «مايكل أنجلو.. حياة ملحمية» (ترجمة محسن بني سعيد) يقول مارتن غايفورد: «على الرغم من مرض مايكل أنجلو الجلي، لم تخفت طاقته الهائلة، ظل واعياً ومحافظاً على ملكاته، فإن افتقاره للنوم كان يعذبه، في آخر المساء، قبل ساعة أو ساعتين من غروب الشمس، حاول أن يخرج ليمتطي جواده، كما كانت عادته حين يكون الطقس لطيفاً، لكن قدميه كانتا ضعيفتين، وشعر بدوار، وكان اليوم بارداً، بقي جالساً على الكرسي قرب الموقد، وهو المكان الذي كان يفضله كثيراً على السرير».
توفي مايكل أنجلو في 18 فبراير سنة 1564 في الساعة الرابعة وخمس وأربعين بعد الظهر، وهكذا انتهى الوجود الفاني للفنان الأكثر شهرة مدى الحياة، في سنة 1506 حين كان مايكل أنجلو في الحادية والثلاثين من عمره، وصفته حكومة فلورنسا في رسالة دبلوماسية إلى البابا بأنه «شاب ممتاز، ولا قرين له في حرفته في إيطاليا وربما في العالم» في تلك اللحظة كان لا يزال أمامه ستة عقود تقريباً من حياته المهنية، ليكون الفنان الأعظم في العالم.
هناك صفة ملحمية لحياة مايكل أنجلو أشبه ببطل من الأساطير الكلاسيكية، كان عرضة لتجارب ومشقات متواصلة، كثير من أعماله كانت هائلة وانطوت على صعوبات تقنية مرعبة: جداريات سقف كنيسة «السيستين» الضخمة، وجدارية «يوم الحساب»، و«نصب ديفيد» الرخامي العملاق، وقد نحته من قطعة حجر، شكلها غير متسق، وتم استخدامها سابقاً. مشاريع مايكل أنجلو الأكبر كانت طموحة للغاية في حجمها، حتى إنه بسبب الافتقار إلى الوقت والموارد لم يتمكن من إكمال أي منها، كما تصورها في الأصل.
واصل مايكل أنجلو العمل عقداً بعد عقد، بالقرب من مركز الأحداث الديناميكي: الدوامة التي كان يتغير فيها التاريخ الأوروبي، حين ولد مايكل أنجلو سنة 1475 كان دافنشي قد بدأ حياته الفنية، وكانت شبه الجزيرة الإيطالية تشكيلة من دول مستقلة صغيرة، ومدن ذاتية الحكم، وفي الوقت الذي مات فيه كان الإصلاح والإصلاح المضاد قد وقعا.
تغيرت خريطة أوروبا السياسية والروحية تغييراً تاماً، قوتا أوروبا العظمى فرنسا وإسبانيا، اجتاحتا إيطاليا وحولتاها إلى ساحة حرب، يعمها الذعر، وحدة المسيحية تشظت، انفصل البروتستانت عن سلطة البابا في روما، وانقسموا فيما بينهم على كتل لاهوتية متعددة، الكاثوليكية عادت إليها الحياة بشكل أكثر أصولية وميلاً إلى القتال، قرن من الرعب الديني قد بدأ.
0 تعليق