سيحتاج الاتحاد الأوروبي إلى كامل ترسانته القانونية مصحوبة بالرغبة السياسية لمواجهة شركات التكنولوجيا الأميركية الكبرى فور عودة دونالد ترامب إلى السلطة، في وقت يتهم كل من إيلون ماسك ومارك زوكربيرغ التكتل بممارسة «الرقابة».
وقبل أيام من تنصيب ترامب رئيسا للولايات المتحدة، أشار رئيس مجموعة «ميتا» مارك زوكربيرغ الثلاثاء بشكل مفاجئ إلى وضع حد لبرنامج التحقق من صحة الأخبار على فيسبوك وإنستغرام في الولايات المتحدة، مشيرا إلى أن التغييرات قد تصل إلى أوروبا أيضا.
اتّهم زوكربيرغ أوروبا بإقرار «عدد متزايد من القوانين التي تضفي طباعا مؤسساتيا على الرقابة»، مرددا خطاب مالك «إكس» ماسك الذي لطالما انتقد مساعي الاتحاد الأوروبي لتنظيم الفضاء الإلكتروني.
عزّزت بروكسل ترسانتها القانونية لاستهداف كبرى المنصات الرقمية، لكن منذ فوز ترامب في انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر، تجنّب التكتل القيام بأي تحرّك ملموس ضد شركات التكنولوجيا الأميركية، في مسعى على ما يبدو لتجنب إثارة حفيظة الإدارة الأميركية المقبلة.
تقول ميتا إن لا خطط لديها في الوقت الراهن لوضع حد لعملياتها في التحقق من صحة الأخبار في الاتحاد الأوروبي وأنها ستراجع التزاماتها حيال الاتحاد الأوروبي قبل القيام بأي تغييرات.
لكن وفقا لمصادر عدة، أرسلت المجموعة إلى المفوضية الأوروبية الثلاثاء تقرير تقييم للمخاطر في ما يتّصل بتعديل سياساتها المتعلّقة بالمحتوى.
تعمل فرانس برس حاليا بـ26 لغة مع برنامج فيسبوك لتقصي الحقائق، بما في ذلك في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
«خيار» التزام الصمت
في مواجهة اتهام زوكربيرغ للتكتل بممارسة «الرقابة»، قالت المفوضية الأوروبية الأربعاء إنها ترفض الاتهام «بالمطلق»، مشددة على أن «حرية التعبير هي في صلب» قانونها التاريخي لمراقبة المحتوى: «قانون الخدمات الرقمية».
وقال المدير العام لمنظمة «مراسلون بلا حدود» تيبو بروتان إن «تعزيز الحقيقة ليس رقابة، والتنظيم الديموقراطي ليس عائقا غير مشروع».
باستثناء موقف المفوضية، لم يصدر الاتحاد الأوروبي أي تعليق على قرار ميتا وقف برنامج تقصّي صحة المحتوى المنشور في الولايات المتحدة، وهي خطوة يخشى خبراء أن تفتح الأبواب على مصراعيها أمام الروايات المضللة.
وبينما أثار ماسك، حليف ترامب، حفيظة القادة الأوروبيين عبر سلسلة انتقادات، نأت المفوضية الأوروبية التي تراقب القطاع الرقمي في الاتحاد الأوروبي بنفسها عن الجدل.
ولم يصدر أي تصريح عن رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لايين ولا مفوضيها المعنيين بالسياسة المرتبطة بالتكنولوجيا بشأن حوار ماسك المرتقب مع زعيمة حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتشدد أليس فايدل، وهو حزب يدعمه بشكل كبير قبيل الانتخابات الوطنية.
وقالت باولا بينيو، الناطقة باسم فون دير لايين، الثلاثاء إن التزام الصمت هو «خيار سياسي حاليا منعا لإثارة المزيد من الجدل».
«صب الزيت على النار»
وقال الخبير في «مركز التنظيم في أوروبا» للأبحاث ألكسندر دو ستريل «هناك على الأرجح رغبة، قد تكون خاطئة، في عدم مهاجمة ترامب وماسك مباشرة، خوفا من ردود الفعل».
في مواجهة موقفي ماسك وزوكربيرغ، تشدد المفوضية على أن «قانون الخدمات الرقمية» لا يحدد ما يُسمح بنشره على الإنترنت، بل يطلب من المنصات الالتزام بالقوانين الوطنية القائمة المتعلقة بالمحتوى الرقمي.
وفي ما يتعلق بماسك، شددت بروكسل على أن من حقه التعبير عن آرائه لكن الاتحاد الأوروبي سيراقب نقاشات حزب «البديل من أجل ألمانيا» لفهم إن كان ماسك استخدم خوارزميات إكس بشكل غير منصف لدعم اليمين المتشدد.
أطلق الاتحاد الأوروبي في كانون الأول/ديسمبر 2023 تحقيقا بشأن إكس بناء على «قانون الخدمات الرقمية» لكنه لم يصدر أي قرار رسمي بعد بشأن كيفية تعامل المنصة مع انتشار المحتوى غير القانوني وجهودها لمكافحة التلاعب بالمعلومات.
وبحسب دو ستريل، يمكن أن يكون «إثبات» وقوع هذه الانتهاكات «أمرا صعبا للغاية».
وقال أومبرتو غامبيني من شركة «فوروورد غلوبال» الاستشارية المعنية بالشؤون الأوروبية «من الواضح أنه إذا كانت مفوضية فون دير لايين ستطلق إجراءات ضد ماسك، فإنها ستقوم بأكثر من مجرد صب الزيت على النار».
وأكد لفرانس برس أن تطبيق «قانون الخدمات الرقمية» «يبقى مسألة سياسية إلى حد كبير».
أكثر صرامة مع أطراف أخرى؟
لا يشعر الجميع بالرضا عن موقف الاتحاد الأوروبي. حضت فرنسا المفوضية الأربعاء على حماية الدول الأعضاء من التدخل في النقاش السياسي، خصوصا من قبل ماسك.
وقال وزير خارجيتها جان-نويل بارو «إما أن تطبق المفوضية الأوروبية بأعلى درجة من الصرامة القوانين التي وضعناها بأنفسنا لحماية فضائنا العام، أو أنها لا تقوم بذلك وسيتعين عليها إذا الموافقة على إعادة سلطة القيام بذلك إلى الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي».
ولا يقتصر تحفظ المفوضية مؤخرا على ميتا أو إكس.
يوم الانتخابات الأميركية العام الماضي، أفادت أنباء بأن آبل ستواجه غرامة بناء على قانون المنافسة في مجال التكنولوجيا الجديد في التكتل «قانون الأسواق الرقمية»، لكن مر شهران ولم تطبق الغرامة.
أفادت مصادر مطلعة على الملف بأن المفوضية جمدت خطط فرض غرامة على آبل، خشية إلحاق أي عقوبات الضرر بالعلاقات الهشة عبر الأطلسي في عهد ترامب.
يتناقض ذلك بشكل كبير مع طريقة التعامل مع الشركات خارج الولايات المتحدة.
فتحت المفوضية في كانون الأول/ديسمبر تحقيقا بشأن «تيك توك» المملوكة لمجموعة «بايت دانس» الصينية بعد اتهامات بأن روسيا استخدمت المنصة للتأثير على نتائج الانتخابات الرئاسية في رومانيا التي أُلغيت لاحقا.
(أ ف ب)
0 تعليق