بحيلة قانونية.. محامٍ إسرائيلي يحيل ملف نتنياهو وغالانت للجنائية الدولية مجدداً - ستاد العرب

0 تعليق 0 ارسل طباعة تبليغ حذف

إعداد ـ محمد كمال
أضحى المحامي عمر شاتز حديث الشارع الإسرائيلي، بعد أن تقدم بقضية تاريخية إلى المحكمة الجنائية الدولية يتهم فيها عدداً من القادة الإسرائيليين بالتحريض على ارتكاب جرائم إبادة جماعية في غزة، وليس ارتكاب الإبادة نفسها، ما يسهل إثبات التهم بحقهم، وذلك بالنيابة عن ضحية فلسطينية تحمل الجنسية الفرنسية. لكن لم يكن ذلك موقفاً مفاجئاً للمحامي الإسرائيلي حيث وجّه تحذيراً قبل سنوات.
وسائل الإعلام الإسرائيلية سلّطت الضوء على التحذير الذي أصدره المحامي الإسرائيلي ومجموعة من زملائه قبل 15 عاماً، عندما تقدم بالتماس إلى المحكمة العليا في إسرائيل ضد يوآف غالانت، الذي كان حينها جنرالاً في الجيش، بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة، قائلاً آنذاك: «نعلم أنكم سترفضون هذه القضية، لكن إذا لم تتدخلوا، في يوم من الأيام، خلال 10 سنوات أو نحو ذلك، فسوف يصل الأمر إلى لاهاي»، وهو ما حدث لاحقاً بالفعل.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أوامر اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق غالانت بتهمة ارتكاب جرائم حرب خلال الحرب بين إسرائيل وغزة.
 


تحول درامي 
لكن التحول الدرامي بالنسبة للمحامي الإسرائيلي، كان في ديسمبر/كانون الأول، حيث قدم تقريراً من 170 صفحة إلى مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، وجاء في الدعوى نيابة عن ضحية فلسطينية فرنسية، لم يتم كشف هويتها، أن ثمانية مسؤولين إسرائيليين بارزين وشخصيات عامة مسؤولون عن التحريض على الإبادة الجماعية.
تقرير المحامي الإسرائيلي، وفق ما نقلت عنه صحيفة هآرتس العبرية، حدد كل من: نتنياهو وغالانت والرئيس إسحاق هرتسوغ ووزير الدفاع الحالي يسرائيل كاتس، والجنرال المتقاعد غيورا إيلاند، ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، وزير الأمن القومي إيتامار بن غفير والإعلامي تسفي يحزكيلي.

الحيلة القانونية 
وبحيلة قانونية، ركز شاتز، وهو أستاذ في معهد باريس للدراسات السياسية، مع طلابه لتطوير نهج مبتكر للتعامل مع القضية، وبدلاً من اتهام المسؤولين الإسرائيليين بارتكاب جرائم إبادة جماعية، ركزوا على جريمة مميزة تتمثل في التحريض على الإبادة الجماعية. وعلى مدى أكثر من عام، وثقوا تصريحات يومية للقادة الإسرائيليين، تهدف إلى ترسيخ نمط التحريض ضد الفلسطينيين في غزة.
شاتز الذي يقيم في باريس، يقول: إن نظام روما الأساسي، الذي يعد بمثابة دستور للمحكمة الجنائية الدولية، ينصّ على أن محاكمة شخص ما بتهمة الإبادة الجماعية تتطلب إثبات ارتكاب أو محاولة ارتكاب الجريمة الرئيسية. وهذا يعني أن محاكمة شخص ما بتهمة المساعدة والتحريض على الإبادة الجماعية، يتطلب بالضرورة إثبات ارتكاب الإبادة الجماعية. ومع ذلك، هناك استثناء واحد لهذه القاعدة، وهو «التحريض على الإبادة الجماعية».
ويوضح أن واضعي نظام روما الأساسي كانت لديهم رؤيتان، أولاً، بما أن الإبادة الجماعية تنطوي على تفاعل معقد بين سلطة الدولة والقبول المجتمعي للعنف الجماعي، فيجب محاكمة المحرّضين، من أجل منع الإبادة الجماعية أو إنهائها. أما الثاني فمفاده «بما أن التحريض يسبق ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية ويرافقها، فلا بد من ملاحقته قضائياً بسرعة وبشكل مستقل عن الجريمة نفسها، وقبل أن تتكشف». 
ولهذا السبب، لا يمكن مقاضاة سوى التحريض على الإبادة دون الاضطرار إلى إثباتها في حد ذاتها»، في حين تتطلب كل أنماط ارتكاب الجرائم الأخرى، مثل الأمر أو طلب ارتكابها، إثبات أن الجريمة الرئيسية قد ارتُكبت أو جرت محاولة ارتكابها. وتهدف هذه الملاحقة القضائية إلى التخفيف من هذا الخطر.
وبناء على ذلك، من وجهة نظر المحامي، فإن تصوير إسرائيل «لكل فلسطيني على أنه متواطئ بطبيعته، أو كتهديد، يبرر أعمالاً مثل قتل النساء والأطفال. وعدم التمييز بين المسلحين والمدنيين يضفي الشرعية على التضحية بعدد كبير من الأبرياء». كما يرى شاتز أنه من الصعب إثبات الإبادة الجماعية؛ لأن النية المطلوبة منفصلة عن الفعل. بينما تتجلى نية الإبادة الجماعية في البيانات العامة.

توقع ما حدث 
شاتز، البالغ 44 عاماً، بدأ مسيرته القانونية في إسرائيل بالدفاع عن اللاجئين والمهاجرين، قبل أن يحصل على درجة الماجستير في جامعة ييل، وينتقل إلى باريس، حيث تحوّل تركيزه إلى القانون الدولي. ويعمل الآن مديراً قانونياً في «فرونت ليكس»، وهي منظمة قانونية تدافع عن حقوق المهاجرين في جميع أنحاء العالم، كما يعدّ رائداً في القضايا المبتكرة المتعلقة بالقانون الجنائي الدولي؛ حيث يحاسب الأفراد على الجرائم المتعلقة بالهجرة.
ويقول المحامي الإسرائيلي، إنه تابع هجوم حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، من منزله في باريس، وأضاف: «أدركت على الفور ما كان سيأتي. وعندما سألني أحد الجيران عما أعتقد أنه سيحدث بعد ذلك، قلت: الآن، نحن نخاطر بحدوث إبادة جماعية في غزة».
كما يعتقد المحامي الإسرائيلي أن استراتيجية إسرائيل في الدفاع عن أفعالها في غزة من خلال الإشارة إلى ما فعلته حماس جاء بنتائج عكسية؛ لأن الهجمات تسلط الضوء على دافع قوي للانتقام، ويمكن للمحكمة استخدام هذا كدليل لإثبات النية.
عام من الرصد 
ولأكثر من عام، قام فريق شاتز القانوني بتحليل تصريحات المسؤولين الإسرائيليين ضمن السياق الأوسع للخطاب العام الإسرائيلي، وسلط الضوء على عقود من الخطابات التحريضية لشخصيات مثل بن غفير وسموتريتش، مؤكداً أن هذا النمط يوفر أدلة حاسمة لإثبات النية الجنائية. وعلى سبيل المثال، يشير بيان غالانت في أكتوبر/تشرين الأول 2023 للفلسطينيين على أنهم «حيوانات بشرية»، ثم أعلن أنه «تمت إزالة جميع القيود» بشأن تصنيف المنشآت المدنية على أنها عسكرية، فضلاً عن تخفيف قواعد الاشتباك.
كما يتابع قائلاً: «إن ادعاء هرتزوغ بأنه «لا يوجد أبرياء في غزة» يعزز التبرير الشامل لاستهداف المدنيين»، ويؤكد أن هذه التصريحات، إلى جانب قطع الكهرباء والمياه والوقود عن غزة في بداية الحرب، تخلق ظروفاً معيشية تهدف إلى تدمير جزء من المجموعة، وهو عمل إبادة جماعية يستهدفه المادة 6 من نظام روما الأساسي. وهذا ما حددته المحكمة الجنائية الدولية في قرارها بإصدار مذكرات اعتقال بحق نتنياهو وغالانت.
ويؤكد شاتز أن اختيار المسؤولين الثمانية جاء على أساس سهولة إثبات أفعالهم وتأثيرها بالجنود في أرض المعركة. وأضاف: «أدلى هؤلاء الأشخاص مراراً وتكراراً بتصريحات تجرد الفلسطينيين من إنسانيتهم ​​وتدعو إلى العقاب الجماعي»، ويضيف أن النجاح في محاكمة التحريض على الإبادة الجماعية قد يمهّد الطريق لمحاكمة مرتكبي الإبادة الجماعية لاحقاً.

فشل تحقيقات محلية 
وفي ديسمبر/كانون الأول 2023، بدأت محكمة العدل الدولية النظر في قضية رفعتها جنوب إفريقيا تتهم فيها إسرائيل بارتكاب جرائم إبادة جماعية. وفي حين أن المحكمة العليا في الأمم المتحدة لم تحكم بأن إسرائيل ترتكب جريمة إبادة جماعية، فإنها أصدرت تدابير مؤقتة بعد أن قررت أن القضية تستوفي معيار «المعقولية»، ما يعني أن الفلسطينيين لديهم الحق المعقول في الحماية من الإبادة الجماعية.
وبينما تتناول محكمة العدل الدولية مسؤولية الدولة، تركز المحكمة الجنائية الدولية على محاكمة الأفراد، وهو ما يسعى شاتز إلى إثباته في ملفه.
ويؤكد شاتز أن الفشل في معالجة جرائم الحرب محلياً يؤدي إلى محاكمة المسؤولين دولياً. وهذا يتماشى مع مبدأ التكامل الذي ينص على أنه: إذا لم تتحرك المحاكم المحلية، فإن المحاكم الدولية تتمتع بالولاية القضائية. وأشار إلى أنه لو كانت إسرائيل قد بدأت تحقيقات حقيقية، لكان بإمكانها تحسين وضعها في محكمة العدل الدولية ومنع تدخل المحكمة الجنائية الدولية. 
ورغم عدم تحديد موعد واضح للبت في الدعوى، فإن المحامي الإسرائيلي يعتقد أن هذه القضية تقدم حجة قوية للتحرك بسرعة، حيث إن «الحقائق لا جدال فيها، والأدلة متاحة للجمهور، والإطار القانوني واضح، والتحقيق معلق بالفعل، وقد صدرت بعض أوامر الاعتقال، حيث وجدت المحكمة الجنائية الدولية «أسباباً معقولة للاعتقاد بأن أعمال الإبادة الجماعية المحتملة مستمرة».
رأي الخبراء القانونيين 
يعتقد أحد الخبراء القانونيين الدوليين الذين راجعوا الملف أن شاتز يقدم حجة قوية للمحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في التحريض على الإبادة الجماعية، مضيفاً أن عدم تحرك المدعي العام الإسرائيلي يوفر أساساً قوياً للتحقيق. ومع ذلك، فقد سلّط الضوء أيضاً على التحديات، ومن بينها: إثبات التحريض المباشر، وهو شرط قانوني رئيسي، قد يكون صعباً، بالنظر إلى أن العديد من البيانات مفتوحة للتأويل.
وإضافة إلى ذلك، كما يقول الخبراء القانونيون، فإن إقرار مجلس النواب الأمريكي، والذي يفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية رداً على مذكرات الاعتقال التي أصدرتها بحق مسؤولين إسرائيليين، يضيف طبقة أخرى من الصعوبة في متابعة مثل هذه التحقيقات. ولا يعتقد شاتز أن هذا سيغير أي شيء في ما يتعلق بالقضية.
ويخلص إلى القول بأنه «في نهاية المطاف، تعد القضية بمثابة تذكير بدور المحكمة الجنائية الدولية كضمان ضد الإفلات من العقاب»، وذلك من خلال متابعة التحريض على الإبادة الجماعية كجريمة مستقلة، يمكن للمحكمة أن تمنع تصاعد مثل تلك الجرائم، وتضمن محاسبة المسؤولين عن الخطاب التحريضي الخطر. وبينما لا تزال هناك تحديات سياسية، فإن قوة الأدلة والإطار القانوني الواضح لا يتركان للمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية سوى القليل.

أخبار ذات صلة

0 تعليق