(وكالات)
شكل المد البشري الهائل من النازحين العائدين من جنوب قطاع غزة إلى شماله، صدمة لإسرائيل، إذ عُد ذلك فشلاً ذريعاً للخطة القاضية بإفراغ شمال غزة من ساكنيه بشكل نهائي أو على الأقل تشكيل ورقة ضغط على حركة حماس لتقديم المزيد من التنازلات.
وتم توجيه أصابع الاتهام لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وتحميله المسؤولية عمّا حدث، وتعالت أصوات في معسكر اليمين المتطرف تنادي بالعودة إلى الحرب فوراً واحتلال القطاع.
وأثارت مشاهد ظهور مسلحي حماس مجدداً في القطاع، أثناء تسليم الأسيرات الإسرائيليات في الدفعتين السابقتين، حفيظة قطاع من الإسرائيليين.
جاء مشهد عودة مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى شمال قطاع غزة، ليطرح العديد من علامات الاستفهام بشأن السردية الإسرائيلية للأهداف المعلنة للحرب التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة بداية من 7 أكتوبر 2023.
أكبر ورقة ضغط
صحيفة «جيروزاليم بوست» كتبت أن القدرة على منع الفلسطينيين من التوجه من جنوب غزة إلى شمالها كانت أكبر ورقة ضغط تملكها إسرائيل على حماس، وكانت إحدى النقاط الشائكة في المفاوضات على مدار الأشهر القليلة الماضية، وفق ما نقلت «سكاي نيوز عربية».
وأشارت الصحيفة إلى أن إسرائيل حاولت في الأسابيع التي سبقت توقيع صفقة التبادل، دفع أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين جنوباً، من جهة للعمل بحرية ضد الفصائل في المناطق الشمالية من القطاع، ومن جهة أخرى للضغط على حماس للموافقة على الصفقة.
واقتبست الصحيفة وعداً ردده مسؤولون إسرائيليون لعدة أشهر، وهو: «لن نسمح للناس بالخروج بحرية من الجزء الجنوبي إلى المنطقة الشمالية، سيتم تفتيش الجميع».
وقالت «جيروزاليم بوست» أن المشاهد التي بثت على الهواء لعودة النازحين، «تظهر أن هذا الوعد كان ضرباً من الخيال. فالناس يتنقلون بحرية، مع رؤية مسلحي حماس على طول الطريق».
وبينت الصحيفة وجود بند في اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم توقيعه قبل أسبوعين ينص على تفتيش المركبات، «لكن من الصور على الأرض فإن هذا لا يحدث بالضبط. حتى لو تم تطبيقه في نهاية المطاف، فقد تحرك المسلحون بأسلحتهم دون أن يتم تفتيشهم، الأمر الذي سيغير المشهد في شمال القطاع الذي عمل الجيش الإسرائيلي بلا كلل لتنظيفه منهم».
تشكيك
وشككت الصحيفة في قدرة تل أبيب على العودة للحرب بنفس القوة التي كانت عليها قبل أسابيع، قائلة إن تلويح المسؤولين الإسرائيليين باستئنافها «قد يكون صحيحاً، لكن المشهد سيكون مختلفاً تماماً عمّا تركوه عليه، مع تفكيك ممر نتساريم، وعودة جنود الجيش الإسرائيلي للقتال في مناطق ستكون مملوءة بالفلسطينيين ومن يدري كم من المسلحين».
وتطرقت إلى ما هو قادم من مفاوضات، معتبرة أن «بعد إطلاق سراح 3 رهائن يوم السبت المقبل، ستفقد إسرائيل المزيد من أوراق الضغط مع السماح لـ 50 جريحاً من حماس يومياً بمغادرة القطاع عبر معبر رفح. ومع تبقي أكثر من 4 أسابيع على انتهاء المرحلة الأولى من الصفقة، لا يوجد ما يمنع حماس من العودة إلى حيلها القديمة وتلاعبها عندما يتعلق الأمر بالإفراج عن الرهائن».
وتساءلت عن النفوذ الذي سيكون لدى إسرائيل عندما تبدأ محادثات المرحلة الثانية الأسبوع المقبل، في اليوم السادس عشر من وقف إطلاق النار لحمل حماس على توقيع اتفاق يعيد جميع المحتجزين إلى ديارهم.
كذلك ألقت صحيفة «هآرتس» الضوء على مشهد عودة الفلسطينيين إلى الشمال، وركزت على الرغبة الجامحة لدى هؤلاء الأشخاص في عدم ترك ديارهم حتى بعد ما لحق بها من دمار كبير على مدار الأشهر الماضية.
ووصفت صحيفة «الغارديان» الطوفان البشري الذي انطلق سيراً على الأقدام مع إزالة الحواجز الإسرائيلية، التي قسمت القطاع على مدار أكثر من عام، بأنه «طابور مثقل بالمشاعر المختلطة بالفرحة والخوف» على طول الساحل بموازاة البحر المتوسط، وكذلك اصطفاف المركبات عبر طريق آخر.
وأبرزت الصحيفة حقيقة أن عشرات الآلاف من الفلسطينيين المتجهين إلى الشمال يدركون تماماً أنهم سيعودون إلى ما هو أكثر من مجرد أطلال، لكنهم أرادوا نصب الخيام على أرضهم بعد أشهر طويلة من التنقل بين مخيمات النزوح المزدحمة في جنوب القطاع. واستشهدت ببيانات للأمم المتحدة التي تشير إلى أن أكثر من 80 ألف مبنى تضرر أو دمر في هذه البقعة من القطاع الساحلي.
مقترح ترامب
وفي الوقت الذي تثار فيه تكهنات بشأن مدى صمود اتفاق وقف إطلاق النار واستكمال مراحله، وصولاً إلى نهاية الحرب التي استمرت طوال نحو 15 شهراً، خرج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بمقترح لنقل ما يصل إلى 1.5 مليون فلسطيني إلى الأردن ومصر.
مقترحه لاقى ترحيباً من قبل معسكر اليمين المتطرف في إسرائيل الذي يعارض اتفاق وقف إطلاق النار، بما في ذلك وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، الذي جدد دعوته إلى احتلال إسرائيل لغزة وإقامة حكومة عسكرية، بعد مشاهدة العودة الكبيرة للفلسطينيين إلى شمال القطاع.
ووصف السفير الفلسطيني لدى بريطانيا حسام زملط، المشهد الذي رسمه الفلسطينيون بأجسادهم لدى عودتهم إلى منازلهم بأنه «رد واضح وضوح الشمس على أولئك الذين ما زالوا يتآمرون لاقتلاعنا من وطننا».
0 تعليق