عدنان أحمد يوسف *
اشتهر عن الشيخ صالح كامل رحمه الله تأكيده الدائم على مقاصد الشريعة في التمويل الإسلامي، مذكراً دوماً بأن الله سبحانه وتعالى أوكل لنا مهمة إعمار الأرض، بينما كان ينتقد باستمرار تركيز البنوك الإسلامية على تكييف منتجاتها مع الصيغ المتوافقة مع الشريعة دون أن تولي نفس الاهتمام للأغراض التي تقدم من أجلها هذه التمويلات.
نحن نقول للأسف إن ممارسات بعض البنوك الإسلامية ساهمت في إعطاء هذا الانطباع، ولكن الصيرفة الإسلامية الحقة، وفقاً لمفهومنا الذي عملنا على التمسك به منذ أكثر من أربعة عقود، هي التي تقدم خدمات وتمويلات مصرفية حقيقية تتوافق مع مقاصد الشريعة السمحاء.
ومما لا شك فيه أن الأزمات المالية والاقتصادية العالمية التي يشهدها العالم أسهمت في تعزيز الثقة بقوة في النموذج المالي الإسلامي وقدرته على الاستدامة، حيث أظهرت تلك الأزمات قدرة هذه الصناعة على البقاء بعيداً عن أزمات الأسواق العالمية، وتجنب مشاكل الديون المتعثرة التي عانتها الأسواق المصرفية التقليدية.
ولكن يجب أن نذكر باستمرار أن على البنوك الإسلامية التمسك بمقاصد الشريعة في التمويل الإسلامي والتركيز عليها، حيث إن نجاح البنوك الإسلامية في تجنب الكثير من انعكاسات الأزمات المالية والاقتصادية كان بسبب تجنيب نفسها الدخول في مضاربات مثل التعامل في المشتقات، وكانت حريصة على تقديم التمويل المرتبط بالأصول الحقيقية وليس الورقية وفقاً لمفهوم إعمار الأرض.
إن الالتزام بمقاصد الشريعة في التمويل الإسلامي يوفر للصناعة المالية الإسلامية العديد من المقومات التي تحقق لها الأمن والأمان وتقليل المخاطر مثل الأمانة والمصداقية والشفافية والبينة والتيسير والتعاون والتكامل والتضامن، فلا اقتصاد إسلامي بدون أخلاق ومثل، وتعتبر هذه المنظومة من الضمانات هي التي تحقق الأمن والأمان والاستقرار لكافة المتعاملين، وفي نفس الوقت تحرم الشريعة الإسلامية المعاملات المالية والاقتصادية التي تقوم على الكذب والمقامرة والتدليس والجهالة والاحتكار والاستغلال والجشع والظلم. ومن المقومات الرئيسية هي أن النظام المالي والاقتصادي الإسلامي يقوم على قاعدة المشاركة في الربح والخسارة وعلى التداول الفعلي للأموال والموجودات.
ولو تحدثنا على سبيل المثال عن بعض أسباب الأزمات المالية، فإن التمويل المالي الإسلامي يمكن أن يسهم في علاج مثل هذه الأسباب من خلال عدة جوانب منها تعديل أسلوب التمويل العقاري، ليكون بإحدى الصيغ الإسلامية ومنها أسلوب المشاركة التأجيرية، بالإضافة إلى ضبط عملية التوريق لتكون لأصول عينية وليس للديون. وهو ما يتم في السوق المالية الإسلامية في صورة صكوك الإجارة والمشاركة والمضاربة، أما الديون فيمكن توريقها عند الإنشاء ولا تتداول، وهو ما يتم في السوق المالية الإسلامية بصكوك المرابحة والسلم والاستصناع.
كما يمكن منع أساليب المضاربات قصيرة الأجل من البيع على المكشوف والشراء بالهامش وهو ما تم إثر الأزمة في أمريكا وإنجلترا، بالإضافة إلى عدم التعامل بالمشتقات مثل المستقبليات والتعامل بدلاً منها بأسلوب بيع السلم. وجعل الخيارات بدون مقابل كما قرر الفقه الإسلامي والانتهاء عن التعامل في المؤشرات بيعاً وشراء والانتهاء عن الفوائد الربوية واستخدام أساليب المشاركات والبيوع، ووضع ضوابط للمعاملات ووجود هيئات متخصصة للإشراف والرقابة على الأسواق والمؤسسات في إطار الحرية المنضبطة التي يقوم عليها الاقتصاد الإسلامي، وفوق ذلك كله العمل على جعل الاقتصاد أخلاقياً ووضع السبل التي تساند الالتزام بالأخلاق الحميدة في التطبيق.
سوف نظل نتذكر للشيخ صالح كامل رحمه الله تمسكه الواضح بنموذج الصيرفة الإسلامية الأخلاقي ودفاعه عنه حتى آخر أيامه وعمله على تجسيده ليس في البنوك الإسلامية التي أسسها وترأس مجالس إدارتها، بل في كافة أعماله التجارية.
* رئيس جمعية مصارف البحرين، رئيس اتحاد المصارف العربية سابقاً
0 تعليق